شرح متن الآجرومية
أحمد زيني دحلان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
مما لا شك فيه أن متن الآجرومية يعتبر من أحسن ما وضع من المقدمات في فن النحو، وذلك أنه متن يمتاز بالإيجاز ووضوح العبارة وسهولتها، كما أن مؤلفه ضرب فيه العديد من الأمثلة ليكون قريب المنال للمبتدئين في هذا الفن، فصارت هذه المميزات دافعا لكل من أراد أن يشرع في دراسة علم النحو أن يبدأ بهذا المتن المبارك، ليحصل له النفع في أقرب مدة .
ثم إن هذه المقدمة وإن كانت سهلة العبارة قريبة المنال إلا أنها تحتاج ليسير شرح وبيان وتنبيه على بعض عباراتها، ليتم المقصود من تأليفها، وكان من أفضل الشُّرُوح لهذه المقدمة هو شرح أحمد زيني دحلان، فقد شرحها شرحا مختصرا موجزا سهلا واضحا، فيه ما في أصله من المزايا .
وقد اعتنيت بهذا الشرح الميسر فراجعته على أكثر من نسخة، وقمت ـ من باب تقريب المعلومات ـ بكتابة توضيحات يسيرة قليلة، لبعض الجمل والتعريفات التي قد تحتاج لمزيد إيضاح وبيان، ولم أسترسل في ذلك منعا للتطويل .
وأنبه إلى أنَّ اعتنائي بهذا الشرح والسعي في نشره يرجع إلى أن هذا الشرح مفيد في بابه، وليس في ذلك الاعتناء أي تزكية لأحمد زيني دحلان من ناحية عقيدته، لأن هذا الشرح يتعلق بعلم النحو لا بعلم العقيدة، فلا مانع من الاستفادة من المؤلف فيما لم يُخطئ فيه كالنحو، وأما من ناحية العقائد فلا نستفيد من دحلان في أي شيء فيها لفساد عقيدة، فقد كان يسميه بعض أهل العلم بشيخ الكذابين، وقد كان دحلان من أشد المناوئين لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ في الحجاز، فأَلَّف ردودا ملأها بالباطل والبلايا العظام ليصد بها الناس عن سبيل الله وعن دعوة الشيخ محمد، وكان مما ألفه ما سمّاه زورا وبهتانا بـ"الدرر السنية في الرد على الوهابية"، ومن أراد أن يعرف حقيقته العقدية أكثر فليرجع إلى كتاب دعاوى المناوئين .
فنحن إنما أخذنا ما عنده من الشيء المفيد، وأما العقيدة فلا نأخذها إلا من أعلام أهل السنة والجماعة، ولا يضر أحمد دحلان بعقيدته إلا نفسه ومن تبعه عليها.
وأنبه إخواني كذلك إلى أني لم أرد بعملي هذا إلا ما عند الله من الأجر والثواب، لذلك أنا أجيز لكل مسلم أن ينشر هذا الشرح بأي وسيلة كانت من غير تصريح مني، بشرط أن لا يفصل مقدمتي عن الشرح لكي لا يغتر بالشارح من لا يعرفه فيحسبه من علماء أهل السنة والجماعة فيكون فتنة له .
والله أعلى وأعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
أبو عمر الحنبلي
شرح مختصر جدا
على متن الآجرومية
لأحمد زيني دحلان
مقدمات علم النحو، وبعض الفوائد للمؤلف وأحد تلاميذه
(فائدة) الفاعل : من قام به الفعل، ولا يكون إلا مرفوعاً، نحو : قام زيدٌ .
والمفعول : من وقع عليه الفعل، ولا يكون إلا منصوباً، نحو : ضربت زيداً .
ونائب الفاعل : هو المفعول الذي أقيم مقام الفاعل بعد حذفه () ولا يكون إلا مرفوعاً، نحو : ضُرِبَ زيدٌ، ويُضْرَبُ عَمْروٌ .
والمضاف والمضاف إليه : كل اسمين بينهما نسبة جزئية () نحو : غُلَامُ زيدٍ، الغلام منسوب لزيد، فيسمى الأول مضافاً والثاني مضافاً إليه، والمضاف يكون إعرابه بحسب العوامل التي قبله، والمضاف إليه لا يكون إلا مجروراً .
وظرف الزمان : هو اسم الزمان الذي يقع فيه الحدث، نحو : صُمتُ يَوْمَ الخَميسِ .
وظرف المكان : هو اسم المكان الذي يقع فيه الحدث، نحو : جَلَستُ أمَامَ الَّشيخِ، وكلٌ من ظرف الزمان والمكان لا يكون إلا منصوبا .
والحال : هو الاسم الذي يبين هيئة الذات وقت الفعل () نحو : جَاءَ زَيدٌ راكباً، ولا يكون إلا منصوباً .
والتمييز : هو الاسم المبين ما انبهم من الذوات أو النسب () نحو : عِندي رطْلٌ زَيْتاً، وطاب محمد نفساً () ولا يكون إلا منصوباً .
والمفعول لأجله : هو الاسم الذي فُعل الفعل لأجله () ولا يكون إلا منصوباً، نحو : قُمْتُ إجْلالاً لزَيْدٍ () .
والمفعول معه : هو الاسم المقترن بواو المعية، وفُعِل الفعل معه () نحو : جَاءَ الأميرُ والجيشَ, أي مع الجيشِ, ولا يكون إلا منصوبا .
والمثنى : ما دلّ على اثنين بزيادة ألف ونون رفعاً، وياءٍ ونون نصباً وجراً، نحو : جاء الزَّيْدَانِ، وَرَأيْتُ الزَّيْديْنِ، ومَرَرْتُ بالزَّيْديْنِ .
وجمع المذكر السالم : ما دلّ على جمعٍ بواو ونون في آخره في حالة الرفع، وياء ونون في حالتيْ النصب والجر، نحو : جاء الزّيدُونَ، وَرَأيْت الزّيْدِينَ، وَمَرَرْتُ بالزّيْدين، والفرق بين المثنى والجمع في حالتي النصب والجر، أن ياء المثنى مفتوح ما قبلها مكسور ما بعدها، وياء الجمع مكسور ما قبلها مفتوح ما بعدها .
والمعرب : ما تغير آخره بسبب اختلاف العوامل، نحو : زَيْدٌ ورَجُلٌ .
والمبنيّ : ما لزمَ حالة واحدة : كأيْنَ وأمْسِ وحيثُ وكمْ، والله سبحانه أعلم وأحكم أهـ مؤلفه .
(فائدة) ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره ويعرفه قبل الشروع فيه، ليكون على بصيرة فيه، ويحصلُ التصوّر بمعرفة المبادئ العشرة المنظومة في قول بعضهم :
إن مبادئ كلّ فن عَشره الحدّ والموضوع ثم الثَّمرهْ
وفضله ونسبةٌ والواضع والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا
والآن نشرع في فن النحو فنقول : حدّه () علم بقواعدَ يعرف بها أحكام الكلمات العربية، حال تركيبها من الإعراب والبناء، وما يتبعها من شروط النواسخ، وحذف العائد . وموضوعه : الكلمات العربية من حيث البحث عن أحوالها . وغايته وفائدته : التحرزُ عن الخطأ، والاستعانة على فهم كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . وشرفه : بشرف فائدته . واستمداده : من كلام العرب . وفضله : فوَقانه على سائر العلوم بالنسبة والاعتبار . ومسائله : قواعده، كقولك : الفاعل مرفوع . وواضعه : أبو الأسود الدؤلي من التابعين، بأمر من الإمام علي كرم الله وجهه . ونسبته لباقي العلوم : التباين . واسمه : علم النحو، وعلم العربية . وحكم الشارع فيه : وجوبه الكفائيّ على أهل كلّ ناحية، والعيني على قارئ التفسير والحديث .
وحكي في سبب وضع أبي الأسود الدؤلي لهذا الفن، أنه كان ليلة على سطح بيته وعنده بنتُه، فرأت السماء ونجومها وحسن تلألؤ أنوارها مع وجود الظلمة، فقالت : يا أبت ما أحسنُ السماءِ ــ بضم النون ، وكسر الهمزة ــ فقال : أي بنية نجومها، وظنّ أنها أرادت أي شئ أحسن منها، فقالت : يا أبتِ ما أردت هذا، إنما أردت التعجب من حسنها، فقال : قولي : ما أحسنَ السماءَ وافتحي فاك، فلما أصبح غدا على سيدنا علي كرم الله وجهه، وقال : يا أمير المؤمنين حدث في أولادنا ما لم نعرفه، وأخبره بالقصة، فقال هذا بمخالطة العجم العرب، ثم أمره فاشترى صحيفة، وأملى عليه بعد أيام أقسام الكلام ثلاثة : اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، وجملة من باب التعجب، وقال : انح نحو هذا، فلذلك سمي بعلم النحو . ثم قال تتبعه يا أبا الأسود وزد عليه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر، ومضمر، وشئ ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما تتفاضل الناس في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر . قال أبو الأسود : فجمعت منها أشياءَ وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب، فكان منها : إنّ، وأنّ، وليت، ولعل، وكأنّ، ولم أذكر لكنّ، فقال لي : لم تركتها، فقلت : لم أحسبها منها، فقال : بل هي منها، فزدها .
ثم سمع أبو الأسود رجلاً يقرأ : {أن الله برئ من المشركين ورسولُه} بالجر، فوضع باب العطف والنعت () .
واعلم أنه ورد في الحث على تعلم العربية أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يسمع دعاءً ملحونا، والعلماء لا يرون الصلاة خلف اللّحنة، ومن ذلك ما أخرجه المرهبيُّ عن أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعربوا الكلام كما تعربوا القرآن، وأخرج المرهبيُّ أيضا عن جابرٍ رضي الله عنهما، قال : مرّ عمرُ بقوم قد رموا رشقا فأخطئوه، فقال : ما أسوأ رميكم، فقالوا : نحن متعلمين، فقال : لحنكم أشد عليّ من رميكم، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "رحم الله امرءاً أصلح من لسانه" حديث ضعيف .
وأخرج البيهقيُّ عن عمرَ رضي الله عنه، قال تعلموا السنة والفرائض واللحن، كما تعلمون القرآن . وأخرج البيهقيُّ أن ابنَ عباس وابنَ عمر رضي الله عنهم، كانا يضربان أولادهما على اللحن، وأخرج أبو طاهر عن الشعبي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لأن أقرأ وأسقط، أحب إلي من أن أقرأ وألحن . وأخرج البيهقيُّ في شعب الإيمان، عن شعبة أنه قال : إذا كان المحدث لا يعرف النحو فهو كالحمار، يكون على رأسه مخلاة ليس فيها شعير . وأخرج أيضا عن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : ما تزندق من تزندق بالمشرق إلا جهلا بكلام العرب . وأخرج أيضا عن ابن المبارك قال : لا يَنْبُل الرجل بنوع من العلوم ما لم يزين علمه بالعربية، على أنه ترافع رجل وأخوه إلى زياد في ميراث، فقال : إن أبونا مات، وإن أخينا وثب على مال أبانا فأكله، فقال زياد إن الذي أضعت من نفسك، أضرّ عليك مما أضعت من مالك، وأما القاضي فقال : لا رحم الله أباك ولا جبر عظم أخيك، قم في لعنة الله وحر سقر، قال الجلال السيوطي في شرح ألفيته : وقد اتفق العلماء على أن النحو يحتاج إليه في كلّ فن من فنون العلم لاسيما التفسير والحديث، فإنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في كتاب الله حتى يكون ملماً بالعربية، لأن القرآن عربي ولا تفهم مقاصده إلا بمعرفة قواعد العربية، وكذا الحديث، قال ابن الصلاح : ينبغي للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان، ثم روى عن أبي داود قال سمعت الأصمعيَّ يقول : إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار، لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه، قال بعضهم :
من فاته النحو فذاك الأخرس * وفهمه في كل علم مفلس
وقدره بين الورى موضوع * وإن يناظر فهو المقطوع
لا يهتدي لحكمة في الذكر * وما له في غامض من فكر
والله سبحانه وتعالى أعلم أهـ بقلم عثمان شطا تلميذ المؤلف .
mulai
بسم الله الرحمن الرحيم
(الكلام هو اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المفيدُ بالوضْعِ) يعني أن الكلام عند النحويين هو اللفظ إلى آخره, فاللفظ : هو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية كزيد, فإنه صوت اشتمل على الزاي والياء والدال, فإن لم يشتمل على بعض الحروف كصوت الطبل فلا يسمى لفظاً, فخرج باللفظ ما كان مفيدا ولم يكن لفظا، كالإشارة، والكتابة، والعقد، والنصب فلا تسمى كلاما عند النحاة .
والمركب ما تركب من كلمتين فأكثر, كقام زيد، وزيد قائم, والمثال الأول فعل وفاعل، وكل فاعل مرفوع، والمثال الثاني مبتدأ وخبر، وكل مبتدأ مرفوع بالابتداء، وكل خبر مرفوع بالمبتدأ، وخرج بالمركب المفرد كزيد، فلا يقال له كلام أيضا عند النحاة .
والمفيد ما أفاد فائدة يحسن السكوت عليها من المتكلم والسامع، كقام زيد، وزيد قائم, فإن كلا منهما أفاد فائدة يحسن السكوت عليها من المتكلم والسامع، وهي الإخبار بقيام زيد، فإن السامع إذا سمع ذلك لا ينتظر شيئاً آخر يتوقف عليه تمام الكلام ويحسن أيضا سكوت المتكلم .
وخرج بالمفيد المركب، غير المفيد نحو : غلامُ زيدٍ، من غير إسناد شيء إليه, وإنْ قام زيد, فإنَّ تمام الفائدة فيه يتوقف على ذكر جواب الشرط، فلا يسمى كلٌ من المثالين كلاما عند النحاة .
وقوله (بالوضع) فسره بعضهم بالقصد, فخرج غير المقصود ككلام النائم والساهي، فلا يسمى كلاماً عند النحاة, وبعضهم فسره بالوضع العربي، فخرج كلام العجم، كالترك والبربر، فلا يسمى كلاما عند النحاة .
مثال ما اجتمع فيه القيود الأربعة : قام زيدٌ، وزيد قائم, فالمثال الأول فعل وفاعل، والثاني مبتدأ وخبر، وكل من المثالين لفظ مركب مفيد بالوضع، فهو كلام .
(وأقسامُهُ ثلاثةٌ : اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ) يعني أن أجزاء الكلام التي يتألف منها ثلاثة أقسام :
الأول : الاسم، وهو كلمة دلت على معنى في نفسها، ولم تقترن بزمن وضعاً، كزيد، وأنا، وهذا .
الثاني : الفعل، وهو كلمة دلت على معنى في نفسها، واقترنت بزمن وضعاً, فإن دلت تلك الكلمة على زمن ماض، فهي الفعل الماضي، نحو : قام, وإن دلت على زمن يحتمل الحال والاستقبال، فهي الفعل المضارع، نحو : يقوم, وإن دلت على طلب شيء في المستقبل، فهي فعل الأمر نحو : قُمْ .
الثالث : الحرف، وهو كلمة دلت على معنى في غيرها، نحو : إلى، وهل، ولم .
وقوله (جاء لمعنى) يعني به أن الحرف لا يكون له دخل في تركيب الكلام إلا إذا كان له معنى () كهل، ولم، فإنَّ هل معناها الاستفهام، ولم معناها النفي، فإن لم يكن له معنى، لا يدخل في تركيب الكلام، كحروف المباني () نحو : زاي زيد، ويائه، وداله، فإنّ كلا منها حرف مبنى لا حرف معنى .
(فالاسم يعرف : بالخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحروف الخفض) يعني أن الاسم يتميز عن الفعل والحرف بالخفض، نحو : مررت بزيد، وغلام زيد، فزيد المجرور بالباء وغلام، اسمان لوجود الخفض؛ والتنوين، نحو : زيدٌ، ورجلٌ، فزيدٌ ورجلٌ كل منها اسم لوجود التنوين فيه، والتنوين نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً () ودخول الألف واللام، نحو : الرجل والغلام، فكل منهما اسم لدخول " أل " عليهما؛ وحروف الخفض، نحو : مررت بزيد ورجل، فكلٌ منهما اسم لدخول حرف الخفض وهي الباء عليهما، ثم ذكر جملة من حروف الخفض، فقال :
(وَهِيَ : مِنْ، وإِلَى) نحو : سِرتُ من البصرةِ إلى الكُوفةِ، فكل من البصرة والكوفة اسم لدخول مِنْ على الأول، وإلى على الثاني (وعن) نحو : رميت السهمَ عن القوسِ، فالقوس اسم لدخول عن عليه (وعلى) نحو : ركبتُ على الفرسِ، فالفرس اسم لدخول على عليه (وَفِي) نحو : الماء في الكوزِ، فالكوز اسم لدخول في عليه (وَرُبّ) نحو : رُبّ رجلٍ كريمٍ لقيتهُ، فرجل اسم لدخول ربّ عليه (وَالْبَاءُ) نحو : مررتُ بزيدٍ، فزيد اسم لدخول الباء عليه (والْكَافُ) نحو : زيدٌ كالبدرِ، فالبدر اسم لدخول الكاف عليه (وَالَّلامُ) نحو : المالُ لزيدٍ، فزيد اسم لدخول اللام عليه () (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) وهي من جملة حروف الخفض، واستعملت في القسم (وَهِيَ : الْوَاوُ، وَالْبَاءُ، وَالتَّاءُ) نحو : واللهِ، وباللهِ، وتاللهِ، فلفظ الجلالة اسم لدخول حروف القسم عليه .
(والفعل يعرف : بقد، والسين، وسوف، وتاء التأنيث الساكنة) يعني أن الفعل يتميز عن الاسم والحرف بدخول قد عليه، وتدخل على الماضي نحو : قد قامَ زيدٌ، وعلى المضارع، نحو : قد يقومُ زيدٌ، فكلٌ من قام ويقوم فعلٌ لدخول قد عليه، والسين وسوف يختصَّان بالمضارع، نحو : سيقومُ زيدٌ، وسوف يقومُ زيدٌ، فيقوم فعلٌ مضارعٌ لدخول السين وسوف عليه، وتاء التأنيث الساكنة تختص بالماضي، نحو : قَامَتْ هِندٌ فقام فعل ماضٍ لِلُحوق التَّاءِ له .
(والحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم، ولا دليل الفعل) يعني أن الحرف يتميز عن الاسم والفعل بأن لا يقبل شيئاً من علاماتِ الاسم ولا شيئاً من علامات الفعل، كهَل، وفي، ولم، فإنَّها لا تقبل شيئاً من ذلك، فعلامتُهُ عدم قبول العلامات التي للاسم والفعل، قال العلامة الحريري في ملحة الإعراب :
والحرف ما ليْست له علامهْ فَقِسْ على قولي تَكُن علَّامَهْ
أي ما لَيْست له علامة موجودة، بل علامته عدمية، نظير ذلك الجيم والخاء والحاء، فالجيم علامتها نقطة من أسفلها، والخاء علامتها نقطة من أعلاها، والحاء علامتها عدم وجود نقطة من أسفلها وأعلاها، والله سبحانه وتعالى أعلم .
Bab 2
(باب الإعراب)
(الإعراب هو تغيير أواخر الكلم () لاختلاف العوامل () الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً) يعني أن الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، بسبب دخول العوامل المختلفة، وذلك نحو : زيد، فإنه قبل دخول العوامل موقوف ليس معرباً، ولا مبنيَّاً، ولا مرفوعا ولا غيره، فإذا دخل عليه العامل فإن كان يطلبُ الرَّفعّ رّفِعَ، نحو : جاء زيْدٌ، فإنه فعل يطلب فاعلاً، والفاعل مرفوع، فيكون زيدٌ مرفوعاً بجاء على أنه فاعله، وإن كان العامل يطلب النصبَ نُصب ما بعده، نحو : رأيتُ زيداً، فإنّ رأيت فعل، والتاء فاعله، وزيداً مفعوله، والمفعول منصوب، وإن كان يطلبُ الجَرَّ جُرَّ ما بعده، نحو الباء في نحو : مررتُ بزيدٍ، فزيدٍ مجرور بالباء . فتغيُّر الآخر من رفعٍ إلى نصبٍ أو جر هو الإعراب، وسببه دخول العوامل .
وقوله (لفظاً أو تقديراً) يعني به أن الآخر يتغير لفظاً كما رأيته في الأمثلة المذكورة، أو تقديراً كما في الاسم الّذي آخره ألف، نحو : الفتى، أو ياء نحو : القاضي، فإنّ الألف اللينة يتعذر تحريكها، فيقدر فيها الإعراب للتعذر، نحو جاءَ الفتى، فالفتى فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ورأيتُ الفتى، فالفتى مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر؛ ومررت بالفتى، فالفتى مجرور بالباء بكسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ونحو : جاء القاضي، فالقاضي فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، ومررت بالقاضي، فالقاضي مجرور بالباء بكسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، وأما في حالة النصب فتظهر الفتحة على الياء للخِفَّةِ، نحو : رأيتُ القاضيَ، فالقاضيَ مفعول به منصوب بفتحة ظاهرة؛ فالفرق بين ما آخره ألف أو ياء، أن ما آخره ألف يتعذر إظهاره وإعرابه رفعاً ونصباً وجراً، وما آخره ياء لا يتعذر، ولكنه يستثقل رفعاً وجراً .
(وأقسامه أربعة : رفع، ونصب، وخفض، وجزم) يعني أن أقسام الإعراب أربعة : رفع، نحو : يضربُ زيدٌ، ونصب، نحو : لن أضربَ عمرَ، وخفض، نحو : مررت بزيد، وجزم نحو : لم أضربْ زيداً؛ فزيد في الأول مرفوع بيضرب على أنه فاعله، وأضرب في الثاني فعل مضارع منصوب بلن، وعمرَ منصوب بأضرب على أنه مفعوله، وزيد في الثالث مجرور بالباء، وأضربْ في الرابع فعل مضارع مجزوم بلم .
ولن : تسمى حرف نفي ونصب واستقبال، لأنها تنفي الفعل وتنصبُهُ وتُصَيِّرُه مستقبلاً، ولم : تسمى حرف نفي وجزم وقلب، لأنها تنفي الفعل، وتجزمه، وتقلب معناه فيصير ماضيا .
(فللأسماء من ذلك الرفع، والنصب، والخفض، ولا جزم فيها) يعني أن الأسماء يدخلها الرفعُ نحو : جاء زيد، والنصبُ نحو : رأيتُ زيداً، والخفض نحو : مررتُ بزيدٍ، ولا يدخلها الجزمُ .
(وللأفعال من ذلك الرفع، والنصب، والجزم، ولا خفض فيها) يعني أن الأفعال يدخلها الرفع نحو : يضربُ، والنصب نحو : لن أضربَ، والجزم نحو : لم أضربْ، ولا يدخلها الخفض؛ فالرفع والنصب يشترك فيهما الاسم والفعل، ويختص الاسم بالخفض، والفعل بالجزم، والله سبحانه وتعالى أعلم .
(باب معرفة علامات الإعراب)
(للرفع أربع علامات : الضمة، والواو، والألف، والنون) يعني أن الكلمة يُعْرَفُ رفعها بواحد من أربع علامات، إما الضمة نحو : جاء زيدٌ، فزيد فاعل مرفوع بالضمة، أو الواو نحو : جاء أبوك، وجاء الزيدون، فأبوك فاعل مرفوع بالواو، والزيدون فاعل مرفوع بالواو، أو الألف، نحو :جاء الزيدان، فالزيدان فاعل مرفوع بالألف، أو النون نحو : يضربان، فيضربان فعل مضارع مرفوع بثبوت النون .
(فأما الضمة فتكون علامة للرفع في أربعة مواضع : في الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء) يعني أنَّ الضمةَ تكون علامة للرفع في هذه المواضع، أي يُعْرَفُ رفعها بوجود الضمة فيها لفظاً أو تقديراً، فالاسم المفرد () نحو : جاء زيدٌ والفتى، فزيدٌ فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والفتى فاعل مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر؛ وجمع التكسير وهو ما تغير عن بناء مفرده () نحو : جاء الرجالُ والأُسارى، فالرجال فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والأُسارى فاعل مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر، وجمع المؤنث السالم () وهو ما جُمع بألف وتاء مزيدتين، نحو : جاءت الهنداتُ، فالهندات فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والفعل المضارع، نحو : يضربُ زيدٌ، ويخشى عمرٌو، ويرمي بكرٌ، فيضرب فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، ويخشى مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر، ويرمي بالضمة المقدرة للثقل .
(وقوله الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شئ) احترازا عما إذا كان اتصل به ألف الاثنين، نحو : يضربان، وتضربان، أو واو الجماعة، نحو : يضربون، وتضربون، أو ياء المؤنثة المخاطبة، نحو : تضربين، فإنه يرفع بثبوت النون كما سيأتي؛ واحتراز أيضاً عما إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، نحو {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً} فإنه يبنى على الفتح () أو اتصلت به نون النسوة، نحو {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} فإنه يبنى على السكون .
(وأما الواو فتكون علامة للرفع في موضعين، في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة، وهي : أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مالٍ) يعني أنّ جمع المذكر السالم والأسماءَ الخمسةِ، يُعْرَفُ رفعها بوجود الواو، فتكون مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة، والمراد بجمع المذكر السالم اللفظ الدال على الجمعية بواو ونون في آخره في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر () نحو : جاء الزيدون، ورأيت الزيدين، ومررت بالزيدين، فالزيدون في قولك : جاء الزيدون فاعل مرفوع بالواو، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد () والأسماء الخمسة، نحو : جاء أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مالٍ، فكل واحد منها فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، وكل من جمع المذكر السالم والأسماء الخمسة له شروط تطلب من المطوّلات .
(وأما الألف فتكون علامة للرفع في تـثنية الأسماء خاصة) المراد من تثنية الأسماء : المثنى والمراد منه ما دل على اثنين، بألف ونون في آخره في حالة الرفع، وياء ونون في حالتَيِ النصب والجر () نحو : جاء الزيدان، ورأيت الزيْدَيْن، ومررت بالزيدَيْن، فالزيدان في قولك : جاء الزيدان فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ والفرق بين المثنى والجمع في حالتي النصب والجر، أنَّ الياء التي في المثنى مفتوح ما قبلها مكسور ما بعدها، وفي الجمع مكسور ما قبلها مفتوح ما بعدها، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، في كلٍ من التثنية والجمع .
(وأما النونُ فتكونُ علامةً للرفعِ في الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير تـثنية) نحو : يفعلان وتفعلان (أو ضمير جمع) نحو : يفعلون وتفعلون (أو ضمير المؤنثة المخاطبة) نحو : تفعلين، وهذه الأوزان تسمى الأفعال الخمسة وتكون النون التي في آخرها علامة على رفعِها، فهي مرفوعة بثبوت النون نيابة عن الضمة، فتقول : الزيدان يضربان، فيضربان مرفوع بثبوت النون نيابة عن الضمة، وكذا أنتما تضربان، والزيدون يضربون، وأنتم تضربون، وأنتِ تضربين، فكل هذه الأمثلة مرفوعة، وعلامة رفعها ثبوت النون، والألف في الأول والثاني فاعل، والواو في الثالث والرابع فاعل، والياء في الخامس فاعل .
(وللنصب خمس علامات : الفتحة، والألف، والكسرة، والياء، وحذف النون) علامات النصب خمس، واحدة منها أصلية، وهي الفتحة نحو : رأيتُ زيداً، وأربعة نائبة عنها، وهي الألف نحو : رأيتُ أباك، والكسرة نحو : رأيتُ الهنداتِ، والياء نحو : رأيت الزيدَيْن والزيدِين، وحذف النون نحو : لن يضربوا (فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع : في الاسم المفرد، وجمع التكسير، والفعل المضارع، إذا دخل عليه ناصب، ولم يتصل بآخره شئ) يعني أن هذه المواضع الثلاثة إذا نُصبت تكون منصوبة بالفتحة، فالاسم المفرد نحو : رأيتُ زيداً، فزيداً مفعول منصوب بالفتحة، وجمع التكسير نحو : رأيتُ الرِّجالَ، والفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب نحو : لن أضربَ، فأضرب فعل مضارع منصوب بلن (وأما الألف فتكون علامة للنصب في الأسماء الخمسة، نحو : رأيتُ أباك، وأخاك، وما أشبه ذلك) يعني أنَّ الأسماءَ الخمسةَ تكون في حالة النصب منصوبة بالألف نيابة عن الفتحة نحو : رأيت أباك، وأخاك، وما أشبه ذلك، وهي : حماك، وفاك، وذا مالٍ، فكلها منصوبة بالألف نيابة عن الفتحة (وأما الكسرة فتكون علامة للنصب في جمع المؤنث السالم) نحو {خَلَقَ الله السمواتِ} وإعرابه : خلق فعل ماضٍ، ولفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والسمواتِ مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة، لأنه جمع مؤنث سالم (وأما الياء فتكون علامة للنصب في : التثنية، والجمع) نحو : رأيتُ الزيدَيْنِ والزيْدِينَ، فالأول منصوب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها نيابة عن الفتحة، والثاني منصوب بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها نيابة عن الفتحة أيضاً، والنون عوض عن التنوين فيهما (وأما حذف النون فيكون علامة للنصب في الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون) يعني أن حذف النون يكون علامة للنصب نيابة عن الفتحة في الأفعال الخمسة، نحو : لن يفعلا، ولن تفعلا، ولن يفعلوا، ولن تفعلوا، ولن تفعلي، فكل واحد من هذه الأمثلة منصوب وعلامة نصبه حذف النون نيابة عن الفتحة، والألف فاعل في الأول والثاني، والواو فاعل في الثالث والرابع، والياء فاعل في الخامس .
(وللخفض ثلاث علامات : الكسرة، والياء، والفتحة) علامات الخفض ثلاث، واحدة منها أصلية، وهي الكسرة نحو : مررت بزيدٍ، واثنان نائبان عنها، وهي الياء نحو : مررت بأخيك والزَّيْدَيْن والزَّيْدِن، والفتحة نحو : مررت بإبراهيمَ (فأما الكسرة فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع : في الاسم المفرد المنصرف، وجمع التكسير المنصرف، وجمع المؤنث السالم) فالاسم المفرد نحو : مررت بزيدٍ والفتى، وجمع التكسير نحو : مررت بالرجالِ والأسارى والهنودِ، وجمع المؤنث السالم نحو : مررت بالهنداتِ، والمنصرف معناه الذي يقبل الصرف، والصرف هو التنوين، وللأسماء التي تقبل التنوين أو لا تقبله علامات تعرف بها، تطلب من المطوّلات (وأما الياء فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع : في الأسماء الخمسة، والتثنية، والجمع) يعني أن هذه المواضع الثلاثة تكون الياء فيها علامة على الخفض نيابة عن الكسرة، فالأسماء الخمسة نحو : مررت بأبيك، وأخيك، وحميك، وفيك، وذي مالٍ، فكلها مجرورة بالباء، وعلامة الجر فيها الياء نيابة عن الكسرة، والتثنية بمعنى المثنى نحو : مررتُ بالزيْدَيْنِ، فالزيْدَيْنِ مجرور بالباء، وعلامة الجر فيه الياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها نيابة عن الكسرة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد والجمع نحو : مررت بالزيْدِينَ، فالزيدينَ مجرور بالباء وعلامة جره الياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد (وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصرف) يعني أن الاسم الذي لا يَنصَرِف إنما يعرف خفضه إذا دخل عليه عامل الخفض بالفتحة، فيكون مجروراً بالفتحة نيابة عن الكسرة، نحو : مررتُ بأحمدَ، وإبراهيمَ، فكل منهما مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف، أي لا ينون، لأن الصرف هو التنوين، وللاسم الذي لا يَنصَرِف أقسام كثيرة، وله حدود وعلامات يعرف بها، تطلب من المطوّلات، فإن المبتدئ يكفيه في أول الأمر أن يتصوره إجمالاً .
(وللجزم علامتان : السكون، والحذف) فالسكون علامة أصلية، نحو : لم يضربْ زيدٌ، فيضرب فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، والحذف ينوب عن السكون () نحو : لم يضربا، ولم يخشَ زيدٌ، فيضربا فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، ويخشَ فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف (فأما السكون فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع الصحيح الآخر) المراد بالصحيح الآخر أن لا يكون في آخره ألف، أو واو، أو ياء، نحو : يخشى، ويدعو، ويرمي، مثال الصحيح الأخر يضربُ فإذا دخل عليه جازم، يكون مجزوماً بالسكون، نحو : لم يضربْ زيدٌ (وأما الحذف فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر) نحو : لم يخشَ زيدٌ، فيخشَ فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف الألف نيابة عن السكون، والفتحة قبلها دليل عليها، وزيد فاعل، ولم يدعُ زيدٌ، فيدعُ فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الواو نيابة عن السكون، والضمة قبلها دليلٌ عليها، وزيد فاعل مرفوع، ولم يرمِ زيدٌ، فيرمِ فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء نيابة عن السكون، والكسرة قبلها دليل عليها، وزيد فاعل .
(وفي الأفعال التي رفعها بثبات النون) هي الأفعال الخمسة، يعني أن علامة الجزم فيها تكون حذف النون، نحو : لم يضربا، ولم تضربا، فهما مجزومان بلم وعلامة جزمهما حذف النون، والألف فاعل، ولم يضربوا، ولم تضربوا، كذلك مجزومان وعلامة جزمهما حذف النون، والواو فاعل، ولم تضربي مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون، والياء فاعل، والله سبحانه وتعالى أعلم .
(فصل) هذا الفصل يذكر فيه جميع ما تقدم في الباب السابق، لكنه في الباب السابق ذكره مفصلاً، والقصد ذكره هنا مجملاً، وهذه عادة المتقدمين يذكرون الكلام أوَّلاً مفصلاً ثم يذكرونه مجملاً، تمريناً للمبتدئ، فيكون كالجمع عند الحساب .
(والمعربات قسمان : قسم يعرب بالحركات) يعني بذلك الضمة، والفتحة، والكسرة، ويلحق بها السكون (وقسم يعرب بالحروف) يعني بها الواو، والألف، والياء، والنون، ويلحق بها الحذف () (فالذي يعرب بالحركات أربعة أنواع : الاسم المفرد) كزيد (وجمع التكسير) كالرجال (وجمع المؤنث السالم) كالهندات (والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شئ) نحو : يضربُ (وكلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون) وسيأتي، يُسْتَثنى من ذلك جمع المؤنث السالم في حالة النصب () والاسم الذي لا ينصرف في حالة الجر () والفعل المضارع المعتل الآخر في حالة الجزم () .
فمثال الرفع لما ذكره : يضرب زيدٌ والرجالُ والمسلماتُ، فيضرب فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وزيدٌ والرجالُ والمسلماتُ كل منها فاعل مرفوع بالضمة، ومثال النصب : لن أضربَ زيداً والرجالَ، فأضربَ فعل مضارع منصوب بلن، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنا، وزيداً والرجالَ كل منهما مفعول منصوب بالفتحة، ومثال الخفض : مررت بزيدٍ، والرجالِ، والمسلماتِ، فكل منها مجرور بالباء وجره بالكسرة .
(وخرج عن ذلك ثلاثة أشياءُ، جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة) نحو : {خلق الله السمواتِ} لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة، والسمواتِ مفعول منصوب بالكسرة (والاسم الذي لا ينصرف يخفض بالفتحة) نحو : مررت بأحمدَ (والفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف آخره) نحو : لم يخشَ، ولم يدعُ، ولم يرمِ، فالأول مجزوم بحذف الألف، والثاني بحذف الواو، والثالث بحذف الياء (والذي يعرب بالحروف) يعني الواو، والألف، والياء، ويلحق بها النون (أربعة أنواع : التثنية) يعني المثنى (وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة، وهي : يفعلان) بالمثناة تحت (وتفعلان) بالمثناة فوق (ويفعلون) بالمثناة تحت (وتفعلون) بالمثناة فوق (وتفعلين) بالمثناة فوق لا غير (فأما التثنية فترفع بالألف) نحو : جاء الزيدان (وتنصب، وتخفض بالياء) نحو : رأيت الزيدَيْن، ومررت بالزَّيْدَيْنِ (وأما جمع المذكر السالم فيرفع بالواو) نحو : جاء الزيدُون (وينصب ويخفض بالياء) نحو : رأيت الزيدِينَ، ومررت بالزَّيدِينَ (وأما الأسماء الخمسة فترفع بالواو) نحو : جاء أبوك (وتنصب بالألف) نحو : رأيت أباك (وتخفض بالياء) نحو : مررت بأبيك .
(وأما الأفعال الخمسة فترفع بالنون) نحو : يضربان، وتضربان، ويضربون، وتضربون، وتضربين (وتنصب وتجزم بحذفها) نحو : لن يضربا، ولم يضربا، ولن تضربا، ولم تضربا، ولن يضربوا، ولم يضربوا، ولن تضربوا، ولم تضربوا، ولن تضربي، ولم تضربي .
بـــاب الأفعـــال
(الأفعال ثلاثة : ماضٍ) وهو ما دل على حدث مضى وانقضى، وعلامته أن يقبل تاء التأنيث الساكنة، نحو : ضربَ، تقول فيه ضَرَبَتْ (ومضارع) وهو ما دل على حدث يقبل الحال والاستقبال، وعلامته أن يقبل السين وسوف ولم، نحو : يضربُ، تقول فيه : سيضربُ، وسوف يضربُ، ولم يضربْ (وأمر) هو ما دل على حدث في المستقبل، وعلامته أن يقبل ياء المؤنثة المخاطبة ويدل على الطلب، نحو : اضربْ، تقول فيه : اضربي (نحو : ضرب، ويضرب، واضرب) الأول مثال للماضي، والثاني مثال للمضارع، والثالث مثال للأمر (فالماضي مفتوح الأخر أبداً) يعني أنه مبني على الفتح لفظاً، نحو : ضربَ، أو تقديراً للتعذر، نحو : رمى، ويقدر فيه الفتح أيضاً إذا اتصل به ضمير رفعٍ متحرك، نحو : ضربتُ وضربنا، ويكون ظهور الفتح متعذراً كراهةَ توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، ويقدر فيه الفتح أيضاً إذا اتصل به واو الضمير نحو : ضربوا، لأن الواو يناسبها ضم ما قبلها، فضمة المناسبة تمنع من ظهور الفتح، فيقال : مبني على فتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة () (والأمر مجزوم أبداً) يعني أنه مبني على السكون الشبيه بالجزم، فإن كان معتلاً آخره بالألف أو الواو أو الياء، يكون مبنيا على حذف حرف العلة، وهي الألف أو الواو أو الياء، نحو : اخشَ، وادعُ، وارمِ، وإن كان مسنداً إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة يبنى على حذف النون، نحو : اضربا، واضربوا، واضربي، والألف فاعل، وكذا الواو، والياء، وإن كان مسنداً إلى نون النسوة يبنى على السكون، نحو : اضرِبْنَ يا نسوةُ، وإن اتصلت به نون التوكيد يبنى على الفتح، نحو : اضربَنْ، بالنون الخفيفة، واضرِبَنَّ بالنون الثقيلة (والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع، يجمعها قولك : أنيْتُ) بشرط أن تكون الهمزة للمتكلم، نحو : أقومُ، والنون للمتكلم ومعه غيره أو المعظم نفسه نحو : نَقوم، والياء للغائب نحو : يقوم، والتاء للمخاطب نحو : تقوم، وللمؤنثة الغائبة نحو : هند تقوم؛ فخرجت الهمزة التي ليست للمتكلم، نحو : أَكْرَمَ فإنه ماضٍ، والنون التي ليست للمتكلم ومعه غيره، أو المعظم نفسه نحو : نَرْجَسَ زيدٌ الدواءَ، إذا جعل فيه النَّرجس، فإنه ماضٍ، والياء التي ليست للغائب، نحو : يرنأ زيدٌ الشيبَ، إذا خضبه باليرناء، فإنه ماضٍ، واليرناء هي الحناء، وخرج بالتاء التي للمخاطب أو الغائبة، تاء نحو : تعلَّم زيدٌ المسألةَ، فهو فعل ماضٍ، فأقوم، ونقوم، ويقوم، وتقوم أفعال مضارِعَةٌ لوجود حرف الزيادة في أولها، أعني الهمزة والنون والتاء والياء (وهو مرفوع أبداً، حتى يدخل عليه ناصب أو جازم) ورافعه تجرده من الناصب والجازم، وهو عامل معنوي لا لفظي () فإن دخل عليه عامل ناصب فإنه ينصبه، أو جازم فإنه يجزمه (فالنواصب عشرة) أربعة منها تنصب بنفسها، وستة منها يكون النصب معها بأن مضمرة وجوباً أو جوازاً (وهي : أن، ولن، وإذن، وكي) هذه الأربعة تنصب بنفسها، مثال أن : يعجبني أن تضربَ، فيعجبني فعل مضارع، وأن حرف مصدري ونصب، والفعل المضارع منصوب بها، وسُمِّيَتْ أَنْ حرفاً مصدرياً لأنها تُسْبَك مع ما بعدها بمصدر () إذ التقدير يعجبني ضربك، ومثال لن قولك : لن يقومَ زيدٌ، فلن حرف نفي ونصب واستقبال، لأنها تُصَيِّرُ معناه مستقبلاً، ومثال إذن قولك : إذن أكرمَك، في جواب منْ قال لك : أزورك غداً، فإذن حرف جواب وجزاء ونصب، وأكرمَك فعل مضارع منصوب بإذن، وسُمِّيَتْ حرف جوابٍ لوقوعها في الجواب، وجزاءٍ لأن ما بعدها جزاء لما قبلها، ونصب لأنها تنصب الفعل المضارع، ولنصبها شروط تطلب من المطوّلات؛ ومثال كي : جئت كي أقرأَ، إذا كانت اللام مقدرة قبلها أي لكي أقرأ، فتكون كي مصدرية بمعنى أن، وأقرأَ فعل مضارع منصوب بها، فإن كانت كي بمعنى لام التعليل كان النصب بأن مضمرة بعدها (ولام كي) هذه وما بعدها ليست ناصبة بنفسها، بل النصب بأن مضمرة جوازاً في لام كي، ووجوباً في ما بعدها، مثال لام كي : جئت لأقرأَ، فاللام حرف جر للتعليل والفعل منصوب بأن مضمرة جوازاً بعدها، وإنما قيل لها لام كي لإفادتها التعليل مثل كَيْ، ولأنها قد تدخل على كي، نحو : جئت لكي أقرأ (ولام الجحود) أي النفي، والنصب بأن مضمرة وجوباً بعدها، وضابطها أن يسبقها كان المنفية بما أو يكن المنفية بلم () نحو {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُم} و {لَم يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ} فيعذبَ ويغفرَ منصوبان بأن مضمرة وجوباً بعد لام الجحود (وحتى) سواء كانت بمعنى إلى نحو {حتَىَّ يَرْجِعَ إليْنا موسى} أو بمعنى لام التعليل، نحو قولك للكافر : أسلم حتى تدخل الجنة، أي لتدخل، فيرجعَ وتدخلَ كل منهما منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد حتى (والجواب بالفاء و الواو) يعني الفاء والواو الواقعتين في الجواب () وليست الفاء والواو ناصبتين بأنفسهما، بل النصب بأن مضمرة وجوباً بعدهما، والمراد من وقوعهما في الجواب وقوعهما في المواضع التسعة المشهورة () الأول منها : الأمر، نحو : أقبل فأحسنَ إليك، فأُحْسِنَ منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء الواقعة في جواب الأمر، وإن قلت : وأُحْسِنَ كانت الواوُ واوَ المعيةِ، فالنصب بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية الواقعة بعد الأمر . الثاني النهي، نحو : لا تضرب زيداً فيغضبَ، أو : ويغضبَ، فيغضبَ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد النهي . الثالث الدعاء، نحو : ربِّ وفقني فأعملَ صالحاَ ، أو وأعملَ صالحاً . فأعملَ منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين في بعد الدعاء؛ والفرق بين الدعاء والأمر أن الأمر طلب من الأعلى إلى الأدنى، والدعاء طلب من الأدنى إلى الأعلى . الرابع الاستفهام، نحو : هل زيدٌ في الدار فأذهبَ إليه أو وأذهبَ إليه، فأذهبَ منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد الاستفهام . الخامس العَرْضُ، نحو : ألا تنزِلُ عندنا فتصيبَ خيراً أو وتصيبَ خيراً، فتصيبَ منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد العَرْض . السادس التحضيض، نحو : الا أّكرَمْتَ زيداً فيشكركَ، أو : ويشكرَك، فيشكر منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد التحضيض، والفرق بين العرض والتحضيض، أن العرض هو الطلب برفق ولين، والتحضيض هو الطلب بحث وإزعاج . السابع التمني، نحو : ليتَ لي مالاً فأحجَّ منه، أو وأحجَّ منه، فأحج منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد التمني . الثامن الترجي، نحو : لعلي أراجع الشيخَ فيفهمَني أو ويفهمَني، فيفهم منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد الترجي . التاسع النفي، نحو : ما تأتينا فتحدَثَنا أو وتحدثَنا، فتحدثنا منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء أو الواو الواقعتين بعد النفي (وأو) يعني أن من النواصب للفعل المضارع أو، لكن بأن مضمرة وجوباً بعدها، نحو : لأقتُلَنَّ الكافِرَ أو يسلمَ، أي إلا أن يسلم، فيسلمَ منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد "أو" التي بمعنى إلا، وقد تكون بمعنى إلى، نحو : لألزمنَّك أو تقضيَني حقي، أي إلى أن تقضيني حقي، فتقضيَ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد أو التي بمعنى إلى .
(والجوازم ثمانية عشر) قسم منها يجزم فعلاً واحداً، وقسم يجزم فعلين، وبدأ بالقسم الأول فقال (وهي : لم) نحو : لم يضربْ زيدٌ، فلم حرف نفي وجزم وقلب، ويضربْ فعل مضارع مجزوم بلم، وزيدٌ فاعل، وسُميت حرف نفي لأنها تنفي الفعل المضارع، وجزم لأنها تجزمه، وقلب لأنها تقلب معناه وتُصَيِّره ماضياً (ولما) وهي بمعنى لم، حرف نفي وجزم وقلب نحو {لَمَّا يَذُوقُوا عَذاب} فيذوقوا فعل مضارع مجزوم بلمّا، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعل (وأَلَمْ) هي لم إلا أنها اقترنت بهمزة الاستفهام نحو {ألَمْ نَشْرَحْ} فالهمزة للاستفهام التقريري () ولم حرف نفي وجزم وقلب، ونشرحْ فعل مضارع مجزوم بلم (وألمّا) هي لـمّا إلا أنها اقترنت بهمزة الاستفهام، نحو : ألما أُحسنْ إليك فالهمزة للاستفهام التقريري، ولما حرف نفي وجزم وقلب، وأُحْسِنْ فعل مضارع مجزوم بلمّا (ولام الأمر) نحو {لِيُنْفِقْ ذو سَعَةٍ} فاللام لام الأمر، وينفقْ فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وذو فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة، وسَعَةٍ مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة (والدعاء) لام الدعاء هي لام الأمر إلا أنها من الأدنى إلى الأعلى، فتسمى لام الدعاء تأدباً، نحو {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} فاللام لام الدعاء، ويَقْضِ فعل مضارع مجزوم بلام الدعاء، وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها (ولا في النهي) نحو : لا تخَفْ، فلا ناهية، وتخفْ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية (والدعاء) لا الدعائية هي لا الناهية إلا أنها من الأدنى إلى الأعلى، نحو : {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا} فتؤاخذ فعل مضارع مجزوم بلا الدعائية، إلى هنا انتهى الكلام على ما يجزم فعلاً واحداً، ثم أخذ يتكلم على ما يجزم فعلين فقال :
(وإن) وهي حرف يجزم فعلين الأول فعل الشرط، والثاني جوابه وجزاؤه، نحو : إن يقُمْ زيدٌ يقُمْ عمرٌو، فيقم الأول مجزوم بإنْ على أنه فعل الشرط، والثاني مجزوم بها أيضاً على أنه جواب الشرط وجزاؤه (وما) نحو : ما تفعلْ أفعلْ، فما اسم شرط جازم يجزم فعلين، الأول فعل الشرط، والثاني جواب الشرط وجزاؤه، فتفعل الأول مجزوم بها على أنه فعل الشرط، والثاني أيضاً مجزوم بها على أنه جواب الشرط وجزاؤه (ومَنْ) نحو : من يقمْ أقمْ معه، فمن اسم شرط جازم يجزم فعلين، فيقم الأول مجزوم بها على أنه فعل الشرط، والثاني أيضا مجزوم بها على أنه جواب الشرط وجزاؤه (ومهما) نحو : مهما تفعلْ أفعلْ، فمهما اسم شرط جازم، وتفعل الأول مجزوم بها على أنه فعل الشرط، والثاني كذلك على أنه جواب الشرط وجزاؤه (وإذما) هي حرف مثل إنْ، نحو : إذما يقمْ زيدٌ يقمْ عمروٌ، وإعرابه كإعراب مثال إنْ، وقد تقدم (وأيٌّ) نحو : أياً تضربْ أضربْ، فأياً اسم شرط جازم وما بعده مجزوم به، على أنه شرطه وجوابه وجزاؤه (ومتى) نحو : متى تأكلْ آكلْ، فمتى اسم شرط جازم، وما بعده شرطه وجوابه وجزاؤه (وأيان) نحو : أيان ما تعدلْ أعدلْ، فأيان اسم شرط جازم، وما زائدة وما بعده شرطه وجوابه وجزاؤه (وأين) نحو : أينما تنزلْ أنزلْ، فأين اسم شرط جازم، وما زائدة، وما بعده شرطه وجوابه وجزاؤه (وأَنَّى) نحو : أنى تستقمْ تربحْ، فأنى اسم شرط جازم، وما بعده شرطه وجوابه وجزاؤه (وحيثُما) نحو : حَيْثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ الله نَجَاحَاً، فحيثما اسم شرط جازم، وَتَسْتَقِمْ فعل الشرط ويُقَدِّرْ جوابه وجزاؤه (وكيفما) الجزم بها قاله الكوفيون ومنعه البصريون، مثاله : كيفما تجلسْ أجلسْ، فكيفما اسم شرط جَازِم، وما بعده شرطه وجوابه وجزاؤه (وإذا في الشِّعر خاصة) هذا زَائد على الثمانية عشر، وسُمِعَ الجزمُ بإذا في الشعر لا في النثر ، ومما سُمِعَ قوْلُ الشَّاعر :
وإذا تُصِبْكَ خصاصَةٌ فَتَحَمَّلِ
فتصبْ فعل الشرط، وجملة تَحَمَّل جوابه، فالفاء رابطة للجواب، وَتَحَمَّلِ فعل أمر مبني على سكون مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الروي .
بـَـابُ مَرْفُوعـَــاتِ الأَسْمَاءِ
(المرفوعات سبعة : وهي الفاعل) نحو : جاء زيدٌ والفتى والقاضي، وغلامي (والمفعول الذي لم يسم فاعله) نحو ضُرِبَ زيدٌ، ويُضْرَبُ عمرٌو (والمبتدأ ، وخبره) نحو : زيدٌ والفتى والقاضي وغلامي قائمون (واسم كان وأخواتها) نحو : كان زيدٌ قائماً (وخبر إنَّ وأخواتها) نحو : إنَّ زيداً قائمٌ (والتابع للمرفوع، وهو أربعة أشياء : النعت) نحو : جاء زيدٌ الفاضلُ (والعطف) نحو : جاء زيدٌ وعمرٌو (والتوكيد) نحو : جاء زيدٌ نفسُه (والبدلُ) نحو : جاء زيدٌ أخوك .
وهذه كلها مذكورة هنا إجمالاً على سبيل التعداد وسيذكر كل واحد منها في باب مفصله، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بَابُ الفَاعِلِ
(الفاعل هو الاسم المرفوعُ المذكور قبلهُ فِعْلهُ) نحو : قام زيدٌ، ويقوم عمرٌو (وهو على قسمين : ظاهر) وهو ما دل على مسماه بلا قيد، كزيد ورجل (ومضمر) وهو ما دل على متكلم، أو مخاطب، أو غائب، كأنا، وأنت، وهو () (فالظاهر نحو : قولك : قام زيدٌ) فقام فعل ماضٍ مبني على فتح ظاهر في آخره، وزيدٌ فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (ويقوم زيدٌ) فيقوم فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وزيد فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (وقام الزيدان) فقام فعل ماضٍ، والزيدان فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى (ويقوم الزيدان) فيقوم فعل مضارع، والزيدان فاعل مرفوع بالألف (وقام الزيدون) فقام فعل ماضٍ، والزيدون فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم (ويقوم الزيدون) فيقوم فعل مضارع، والزيدون فاعله (وقام الرجال) فالرجال جمع تكسير فاعل قام (ويقوم الرجال) فالرجال فاعل يقوم (وقامت هند) فقام فعل ماضٍ، والتاء علامة التأنيث، وهند فاعله (وتقوم هند) فتقوم فعل مضارع، وهند فاعله (وقامت الهندان) فقام فعل ماض، والهندان فاعله (وتقوم الهندان) فتقوم فعل مضارع، والهندان فاعله (وقامت الهندات) فقام فعل ماضٍ، والهندات فاعله وهو جمع مؤنث سالم (وتقوم الهندات) فتقوم فعل مضارع، والهندات فاعله (وقامت الهنود) فقام فعل ماضٍ، والهنود فاعله، وهو جمع هند جمع تكسير (وتقوم الهنود) فتقوم فعل مضارع، والهنود فاعله (وقام أخوك) فقام فعل ماضٍ، وأخو فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة، والكاف مضاف إليه (ويقوم أخوك) فيقوم فعل مضارع، وأخوك فاعله (وقام غلامي) فقام فعل ماضٍ، وغلامي فاعله مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وغلام مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر (ويقوم غلامي) فيقوم فعل مضارع، وغلامي فاعله (وما أشبه ذلك) وجملة ما ذكره عشرون مثالاً عشرة مع الماضي، وعشرة مع المضارع، وكلها مع الظاهر .
ولما قدم الكلام على الظاهر أخذ يتكلم على المضمر، وهو اثنا عشر ضميراً، سبعة للحاضر، وخمسة للغائب، فقال (والمضمر نحو : قولك ضَرَبْتُ) بفتح الضاد وضم التاء للمتكلم، وإعرابه ضَرَبَ فعل ماض، والتاء ضمير المتكلم فاعل مبني على الضم في محل رفع (وضَرَبْنا) بفتح الضاد وسكون الباء للمعظم نفسه، أو المتكلم ومعه غيره، وإعرابه ضرب فعل ماض، ونا فاعله مبني على السكون في محل رفع (وضَرَبْتَ) بفتح الضاد والتاء للمخاطب، وإعرابه ضرب فعل ماض، والتاء ضمير المخاطب فاعل مبني على الفتح في محل رفع (وضَرَبْتِ) بفتح الضاد وكسر التاء للمخاطبة، وإعرابه ضرب فعل ماض، والتاء ضمير المؤنثة المخاطبة مبني على الكسر في محل رفع (وضَرَبْـتُما) بفتح الضاد وضم التاء للمثنى المذكر والمؤنث، وإعرابه ضرب فعل ماض، والتاء ضمير المخاطبين فاعل مبني على الضم في محل رفع، والميم حرف عماد () والألف حرف دال على التثنية (وضَرَبْتُم) بفتح الضاد وضم التاء لجمع الذكور المخاطبين، وإعرابه ضرب فعل ماض والتاء ضمير المخاطبين فاعل مبني على الضم في محل رفع، والميم علامة جمع الذكور () (وضَرَبْتُنَّ) بفتح الضاد وضم التاء لجمع الإناث المخاطبات، وإعرابه ضرب فعل ماض، والتاء فاعل مبني على الضم في محل رفع، والنون علامة جمع الإناث المخاطبات .
وهذه كلها أمثلة الحاضر، وأشار إلى أمثلة الغائب بقوله (وضَرَبَ) أي من قولك مثلاً : زيدٌ ضَرَبَ، وإعرابه زيد مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وضرب فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو يعود على زيد، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ (وضَرَبَتْ) بسكون التاء للغائبة، أي من قولك : هند ضَربتْ، وإعرابه : هند مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وضربَ فعل ماض، والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هي يعود على هند، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ (وضَرَبَا) للمثنى الغائب المذكر من قولك مثلاً : الزيدان ضربا، وإعرابه : الزيدان مبتدأ مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد ، وضَرَبَ فعل ماض، والألف فاعل مبني على السكون في محل رفع، والجملة خبر المبتدأ، وللمثنى الغائب المؤنث ضَرَبَتا تقول : الهندان ضربتا، وإعرابه : الهندان مبتدأ مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، وضرب فعل ماض، والتاء علامة التأنيث، وحُرِّكت لالتقاء الساكنين وكانت الحركة فتحة لمناسبة الألف، والألف فاعل مبني على السكون في محل رفع، والجملة خبر المبتدأ (وضربوا) لجمع الذكور الغائبين من قولك مثلاً : الزيدون ضربوا، وإعرابه : الزيدون مبتدأ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وضرب فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة، والواو فاعل مبني على السكون في محل رفع، والجملة خبر المبتدأ (وضَرَبْنَ) لجمع الإناث الغائبات من قولك مثلاً : الهندات ضربن، وإعرابه : الهندات مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وضرب فعل ماض، والنون ضمير النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع، والجملة خبر المبتدأ .
بَابُ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ
ويسمى نائب الفاعل (وهو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله) يعني أن المفعول الذي لم يسم فاعله المسمى أيضاً نائبَ الفاعل، هو المفعول الذي يقوم مقام فاعله في جميع أحكامه بعد حذف الفاعل لغرض من الأغراض، كقوله تعالى {وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً} الأصل وخلقَ اللهُ الإنسانَ، برفع لفظ الجلالة على الفاعلية، ونصب الإنسان على المفعولية، فحذف الفاعل وهو لفظ الجلالة للعلم به، فبقي الفعل محتاجاً إلى ما يسند إليه، فأُقِيمَ المفعول به مقام الفاعل في الإسناد إليه فأُعطي جميعَ أحكام الفاعل، فصار المفعول مرفوعاً بعد أن كان منصوباً، فالتبست صورته بصورة الفاعل فاحتيج إلى تمييز أحدهما عن الآخر بحيث إذا سمع لفظ الفعل يُعْلَم أنّ ما بعده فاعل أو نائب عن الفاعل، فبقي الفعل مع الفاعل على صورته الأصلية وغُـيّر مع نائبه .
ثم بيّن كيفية تغيير الفعل بقوله (فإن كان الفعل ماضياً ضُمَ أوله وكُسِرَ ما قبل آخره) نحو {وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً} وإعرابه : خُلِقَ فعل ماضٍ مبني لما لم يسم فاعله، وإن شئت قلت مبني للمجهول وهو بمعنى ما قبله، والإنسان نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، وَضَعيفاً حال من الإنسان (وإن كان) الفعل (مضارعاً ضُم أوله، وفتح ما قبل آخره) نحو : يُضرَبُ زيدٌ، بضم الأول وفتح الراء التي قبل آخره، وإعرابه : يُضْرَبُ فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وإن شئت قلتَ مبني للمجهول وهو بمعنى ما قبله، وزيد نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (وهو على قسمين : ظاهر ومضمر) كما تقدم نظيره في الفاعل (فالظاهر نحو قولك : ضُرِبَ) بضم أوله وكسر الراء التي قبل آخره (زيدٌ) فإذا قلت : ضُرِبَ زيدٌ، تقول في إعرابه : ضرب فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وزيدٌ نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (ويُضرَبُ) بضم أوله وفتح الراء التي قبل آخره (زيدٌ) فإذا قلت : يُضْرَبُ زيدٌ، تقول في إعرابه : يضرب فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وزيدٌ نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (وأُكْرِمَ عَمْرٌو) بضم أول الفعل وكسر ما قبل آخره، وإعرابه : أُكْرِمَ فعل ماضٍ مبني لما لم يسم فاعله، وعمرٌو نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (ويُكْرَمُ عَمْرٌو) بضم أول الفعل وفتح الراء التي قبل آخره، وإعرابه : يكرم فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وعمرٌو نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (والمضمر نحو قولك : ضُرِبْتُ) بضم الضاد وكسر الراء وضم التاء للمتكلم، وإعرابه : ضُرب فعل ماض مبني للمجهول، والتاء ضمير المتكلم نائب الفاعل مبني على الضم في محل رفع (وضُرِبنا) بضم الضاد وكسر الراء، للمتكلم ومعه غيره أو المعظم نفْسَه، وإعرابه ضرب فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونا ضمير نائب عن الفاعل مبني على السكون في محل رفع (وَضُرِبْتَ) بضم الضاد وكسر الراء وفتح التاء، للمخاطب المذكر، وإعرابه : ضُرِبَ فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء ضمير المخاطب نائب الفاعل مبني على الفتح في محل رفع (وضُرِبْتِ) بضم الضاد وكسر الراء والتاء، للمخاطبة المؤنثة، وإعرابه : ضرب فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء ضمير المخاطبة المؤنثة نائب الفاعل مبني على الكسر في محل رفع (وضُرِبْتُما) بضم الضاد وكسر الراء وضم التاء للمثنى المخاطب، مذكراً أو مؤنثاً، وإعرابه : ضُرب فعل ماض مبني للمجهول، والتاء ضمير المخاطبيْن نائب الفاعل مبني على الضم في محل رفع، والميم حرف عماد، والألف حرفٌ دالٌ على التثنية (وضُرِبْتـُمْ) بضم الضاد وكسر الراء وضم التاء لجمع الذكور المخاطبين، وإعرابه : ضرب فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء ضمير المخاطبين الذكور نائب الفاعل مبني على الضم في محل رفع، والميم علامة الجمع (وَضُرِبْتُنَّ) بضم الضاد وكسر الراء وضم التاء، ضمير النسوة المخاطبات، وإعرابه : ضرب فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء ضمير النسوة المخاطبات نائب الفاعل مبني على الضم في محل رفع، والنون علامة جمع النسوة، والحاصل أن التاء في الجميع نائب الفاعل، وما اتصل به حروف دالة على المعنى المراد من تثنية، وجمع تذكير وتأنيث (وضُرِبَ) بضم الضاد وكسر الراء وفتح الباء للمذكر الغائب في نحو قولك : زيدٌ ضُرِبَ، وإعرابه : زيدٌ مبتدأ مرفوع بالضمة، وضرب فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو (وَضُرِبَتْ) بضم الضاد وكسر الراء وفتح الباء وسكون التاء للغائبة المؤنثة في نحو قولك : هِنْدٌ ضُرِبَتْ، وإعرابه : هند مبتدأ مرفوع بالضمة، وضرب فعل ماض مبني للمجهول، والتاء علامة التأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي (وضُرِبا) بضم الضاد وكسر الراء وبعد الباء ألف للمثنى الغائب المذكر في نحو قولك : الزيدانِ ضربا، وإعرابه : الزيدان مبتدأ مرفوع بالألف، وضرب فعل ماض مبني للمجهول، والألف نائب الفاعل مبني على السكون في محل رفع، وتقول في مثنى الغائب المؤنث : ضُرِبَـتَا، بزيادة تاء التأنيث (وَضُرِبوا) بضم الضاد وكسر الراء، لجمع الذكور الغائبين، في نحو قولك : الزيدون ضربوا، وإعرابه : الزيدون مبتدأ مرفوع بالواو، وضرب فعل ماض مبني للمجهول مبني على فتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بضمة المناسبة، والواو ضمير جمع الذكور الغائبين في محل رفع نائب فاعل (وَضُرِبْنَ) بضم الضاد وكسر الراء، لجمع النسوة الغائبات في نحو قولك : النسوة ضُرِبْنَ، وإعرابه : النسوة مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وَضُرب فعل ماض مبني للمجهول، والنون ضمير جمع النسوة نائب الفاعل مبني على الفتح في محل رفع .
باب المبتدأ والخبر
(المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية) يعني أن المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري ـ أي المجرد ـ عن العوامل اللفظية، فخرج بالاسم الفعل والحرف باعتبار معناهما، فكل منها لا يقع مبتدأ، وخرج بالمرفوع المنصوب والمجرور بغير حرف زائد () فكل منهما لا يقع مبتدأ، وخرج بقوله العاري عن العوامل اللفظية ما اقترن به عامل لفظي كالفاعل ونائب الفاعل فلا يسمى كل منهما مبتدأ (والخبر هو الاسم المرفوع المسند إليه) يعني أن الخبر هو الاسم المرفوع المسند إلى المبتدأ (نحو قولك : زيدٌ قائمٌ) هذا تمثيل للمبتدأ والخبر المفردين، فزيدٌ اسم مرفوع مجرد عن العوامل اللفظية فهو مبتدأ، ورافعه الابتداء، وهو عامل معنوي لا لفظي، وقائمٌ اسم مرفوع مسند إلى المبتدأ فهو خبر عنه مرفوع، ورافعه المبتدأ (والزيدان قائمان) وهذا مثال للمبتدأ والخبر المثنيين، فالزيدان مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، وقائمان خبر المبتدأ مرفوع به وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى (والزيدون قائمون) وهذا مثال للمبتدأ والخبر المجمُوعَيْن جمع مذكر سالماً، فالزيدون مبتدأ مرفوع بالواو، وقائمون خبره كذلك مرفوع بالواو لأن كلاً منهما جمع مذكر سالم (والمبتدأ قسمان : ظاهر ومضمر) كما تقدم أن الفاعل ظاهر ومضمر (فالظاهر ما تقدم ذكره) يعني من قوله : زيدٌ قائمٌ، والزيدان قائمان، والزيدون قائمون، والظاهر هو ما دل لفظه على مسماه بلا قرينة، نحو : زيدٌ، فإنه يدل على الذات الموضوع لها بلا قرينة، والمضمر ما دلّ على متكلم أو مخاطب أو غائب بقرينة التكلم أو الخطاب أو الغَيْبَة، نحو : أنا وأنت وهو، وهو ينقسم إلى : متصل، ومنفصل، فالمتصل هو ما يجب اتصاله بعامله ولا يقع بعد إلا في الاختيار () وتقدمت أمثلته في باب الفاعل، في قوله : ضربتُ، وضربنا إلى آخر ما تقدم؛ والمنفصل ما يبتدأ به، ويقع بعد إلا في الاختيار () وهو ما أشار إليه بقوله (والمضمر اثنا عشر، وهي : أنا) الدال على المتكلم، في نحو قولك : أنا قائمٌ، فأنا ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، وقائم خبره مرفوع بالضمة الظاهرة (ونحن) الدال على المتكلم ومعه غيره أو المعظم نفسه في نحو قولك : نحن قائمون، فنحن ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ، وقائمون خبره مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم (وأنتَ) بفتح التاء - الدّال على المخاطب في نحو قولك : أنت قائمٌ، فأنْ ضميرُ رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والتاء حرف خطاب، وقائم خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة (وأنتِ) بكسر التاء - للمخاطبة المؤنثة في نحو قولك : أنتِ قائمةٌ، فأن ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والتاء حرف خطاب، وقائمة خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة (وأنتما) للمثنى سواء كان ذكراً أو مؤنثاً، في نحو قولك : أنتما قائمان، فأنْ ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، والتاء حرف خطاب، والميم حرف عماد، والألف حرف دال على التثنية، وقائمان خبر المبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى (وأنتم) لجمع الذكور المخاطبين في نحو قولك : أنتم قائمون، فأنْ ضميرُ رفع منفصل مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، والتاء حرف خطاب، والميم علامة الجمع، وقائمون خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم (وأنتن) لجمع الإناث المخاطبات في قولك : أنتن قائماتٌ، فأن ضمير رفع منفصل، مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، والتاء حرف خطاب، والنون علامة جمع النسوة، وقائماتٌ خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة (وهو) للمفرد الغائب في نحو قولك : هو قائمٌ، فهو ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، وقائم خبره مرفوع بالضمة الظاهرة (وهي) للمفردة الغائبة في نحو قولك : هي قائمةٌ، فهي ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، وقائمة خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة (وهما) للمثنى الغائب، سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، في نحو قولك : هما قائمان، فهما ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، وقائمان خبره مرفوع بالألف لأنه مثنى (وهم) لجمع الذكور الغائبين في نحو قولك : هم قائمون، فهم ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، وقائمون خبره مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم (وهُنَّ) لجمع الإناث الغائبات، في نحو قولك : هن قائمات، فهن ضمير رفع منفصل مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، وقائمات خبره مرفوع بالضمة الظاهرة، ثم إن المنصف رحمه الله تعالى مثل لوقوع بعضها مبتدأ بقوله (نحو قولك : أنا قائم، ونحن قائمون) وتقدم إعراب المثالين (وما أشبه ذلك) من الأمثلة السابقة .
(والخبر قسمان : مفرد، وغير مفرد) والمراد بالمفرد هنا ما ليس جملة ولا شبهها، ولو كان مثنى أو مجموعاً؛ والمراد بغير المفرد، الجملة أو شبهها، والجملة الكلام المركب من فعل وفاعل، نحو : قام زيدٌ، أو من مبتدأ وخبر، نحو : زيدٌ قائم، والمركب من فعل وفاعل يسمى جملة فعلية، والمركب من مبتدأ وخبر يسمى جملة اسمية، وشبه الجملة الظرف والجارّ والمجرور كما سيذكره (فالمفرد نحو : زيدٌ قائمٌ) فزيدٌ مبتدأ ، وخبره قائم (والزيدان قائمان) فالزيدان مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، وقائمان خبره مرفوع بالألف أيضاً لأنه مثنى (والزيدون قائمون) فالزيدون مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، وقائمون خبره مرفوع أيضاً بالواو لأنه جمع مذكر سالم، فالخبر في هذه الأمثلة مفرد لأنه ليس جملة ولا شبهها (وغير المفرد أربعة أشياء) لأن شبه الجملة شيئان الظرف والجار والمجرور، والجملة شيئان، الجملة الفعلية، والجملة الاسمية، وقد أشار إلى بيان ذلك بقوله (الجار والمجرور والظرف) فكل منهما يسمى شبه الجملة (والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره) فكل منهما يسمى جملة (نحو قولك : زيدٌ في الدار) هذا مثال للخبر إذا كان جارّاً ومجروراً، وإعرابه : زيدٌ مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وفي الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائن أو استقر (وزيدٌ عندك) هذا مثال للخبر إذا كان ظرفاً، وإعرابه : زيدٌ مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وعند ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ () والتقدير كائن أو استقر عندك () وعند مضاف والكاف مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر؛ وفي الحقيقة الخبر هو المتعلق المحذوف، وإنما كان الجار والمجرور والظرف شبيهين بالجملة لأنه من قدّر المحذوف فعلاً نحو : استقر، كان من قبيل الإخبار بالجملة، وإن قَدَّره اسماً مفرداً () نحو : كائن، كان من قبيل الإخبار بالمفرد، فكأنهما أخذا طرفاً من المفرد، وطرفاً من الجملة، فلذا كانا شبيهين بالجملة، وشبيهين بالمفرد، فحذف ذلك في كلامهم من باب الاكتفاء مثل {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ} أي والبرد (وزيدٌ قام أبوه) هذا مثال للخبر إذا كان جملة فعلية، وإعرابه : زيدٌ مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وقام فعل ماض، وأبو فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة، وأبو مضاف، والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ (وزيدٌ جاريته ذاهبة) هذا مثال للخبر إذا كان جملة إسمية، وإعرابه : زيدٌ مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وجاريته مبتدأ ثانٍ مرفوع بالضمة الظاهرة، وجارية مضاف، والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، وذاهبة خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة الظاهرة، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، والرابط بينهما الهاء من جاريته، والله أعلم .
بَابُ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلى المْبُتَدَأ وَالَخَبرِ
هذا الباب منعقدٌ للعوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، فتغيرهما وتنسخ حكمهما السابق، ولهذا تسمى بالنواسخ (وهي كان وأخواتها) نحو : كان زيدٌ قائماً (وإن وأخواتها) نحو : إنّ زيداً قائمٌ (وظن وأخواتها) نحو : ظننت زيداً قائماً (فأما كان وأخواتها فإنها ترفع الاسم) الذي كان مبتدأ، ويسمى بعد دخولها اسمها (وتنصب الخبر) وهو الذي كان خبراً للمبتدأ، ويسمى بعد دخولها خبرها (وهي) أي كان وأخواتها (كان) نحو : {وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} وإعرابه : كان فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، ولفظ الجلالة اسمها، مرفوع بها وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وغفوراً خبرُها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ورحيماً خبرٌ بعد خبر () منصوب بالفتحة الظاهرة، وسُمِّيَت هذه الأفعال ناقصة لأنها لا تكتفي بالمرفوع بل لا يتم معناها إلا بالمنصوب (وأمسى) نحو : أمسى زيدٌ غنياً، وإعرابه : أمسى فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وغنياً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وأصبح) نحو : أصبحَ البردُ شديداً، وإعرابه : أصبح فعل ماض ناقص، يرفع الاسم وينصب الخبر، والبردُ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وشديداً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وأضحى) نحو : أضحى الفقيه ورعاً، وإعرابه : أضحى فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، والفقيهُ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وورعاً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وظلَّ) نحو : ظلّ زيدٌ صائماً، وإعرابه : ظلّ فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وصائماً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وبات) نحو : بات زيدٌ ساهراً، وإعرابه : بات فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وساهراً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وصار) نحو : صارَ السِّعرُ رخيصاً، وإعرابه : صار فعل ماض ناقص، يرفع الاسم وينصب الخبر، السّعرُ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، ورخيصاً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وليس) نحو : ليس زيدٌ قائماً، وإعرابه : ليس فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وقائماً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وما زال) نحو : مازال زيدٌ عالماً، وإعرابه : ما نافية، وزال فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وعالماً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة (وماانفك) نحو : ماانفك عمرٌو جالساً (ومافتئ) نحو : مافتئ بكرٌ محسناً (ومابرح) نحو : مابرح محمدٌ كريماً، وإعراب الجميع مثل إعراب مازال زيدٌ عالماً (ومادام) نحو : لا أصحبك مادام زيدٌ متردداً إليك، وإعراب مادام : ما مصدرية ظرْفية، ودام فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، ومتردداً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة، وإليك جار ومجرور متعلق بمتردداً؛ وسميت ما هذه ظرفية، لنيابتها عن ظرف، ومصدرية لأنها تَسْبُكُ مع ما بعدها بمصدر، إذِ التقدير مدة دوام زيدٍ متردداً إليكَ (وما تصرّف منها) يعني أن ما تصرّف من هذه الأفعال يعملُ عملَ ماضيها من كونه يرفع الاسم وينصب الخبر (نحو : كان ويكون وكن) فالأول ماضٍ، والثاني مضارع، والثالث أمر، وكلها ترفع الاسم، وتنصب الخبر (وأصبح، ويصبح، وأصبح) ِمثْلُ الأول () ماض ومضارع وأمر (تقول) في عمل الماضي (كان زيدٌ قائماً) وتقدم إعرابه، وتقول في عمل المضارع : يكون زيدٌ قائماً، وإعرابه : يكون فعل مضارع ناقص من متصرفات كان الناقصة، يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وقائماً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة؛ وتقول في عمل الأمر : كن قائماً، وإعرابه : كن فعل أمر ناقص من متصرفات كان الناقصة، يرفع الاسم وينصب الخبر، واسمها ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، وقائماً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة، وقس الباقي مما يتصرف (وليس عمرٌو شاخصاً) وإعرابه : ليس فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، عمرٌو اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وشاخصاً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة؛ وليس لا تستعمل إلا بصيغة الماضي ليس لها مضارع ولا أمر ولا مصدر، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنها حرف نفي وليست فعلاً، لكن مذهب الجمهور أنها فعل ماض لأنها تقبل تاء التأنيث الساكنة، نحو : لَيْسَتْ هندٌ جالسةً، وقوله (وما أشبه ذلك) يعني أن ما كان مشبهاً لهذه الأمثلة فهو مثلها في العمل والإعراب فقسه عليه، ولا حاجة إلى الإطالة بكثرة الأمثلة .
(وأما إنَّ وأخواتها فإنها تنصب الاسم) وهو الذي كان مبتدأ (وترفع الخبر) الذي كان مرفوعاً بالمبتدأ (وهي : إنّ، وأنّ، ولكنّ، وكأنّ، وليت، ولعل، تقول : إنّ زيداً قائمٌ) وإعرابه : إنَّ حرف توكيد ونصب، تنصب الاسم وترفع الخبر، وزيداً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وقائم خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة، وتقول في عمل أنَّ المفتوحة : بلغني أنَّ زيداً منطلقٌ، وإعرابه : بلغ فعل ماض، والنون للوقاية () والياء مفعول به مبني على السكون في محل نصب، وأنَّ حرف توكيد ونصب، تنصب الاسم، وترفع الخبر، وزيداً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، ومنطلقٌ خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة، وأنّ وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل بَلَغَ، والتقدير : بَلَغني انطلاقُ زيدٍ، وتقول في عمل لكنّ : قام القوم لكنّ عمراً جالسٌ، وإعرابه : قام القومُ فعل وفاعل، ولكنَّ حرف استدراك ونصب، تنصب الاسم وترفع الخبر، وعمراً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وجالساً خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة، وتقول في عمل كأنّ : كأنَّ زيداً أسدٌ، وإعرابه : كأن حرف تشبيه ونصب، تنصب الاسم، وترفع الخبر، وزيداً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وأسدٌ خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة (و) تقول في عمل ليت (ليت عمراً شاخصٌ) وإعرابه : ليت حرف تمنٍّ ونصب، تنصب الاسم، وترفع الخبر، وعمراً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وشاخصٌ خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة، وتقول في عمل لعل (لعل الحبيبَ قادمٌ) وإعرابه : لعل حرف ترجٍ ونصب، تنصب الاسم، وترفع الخبر، والحبيبَ اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وقادمٌ خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة (ومعنى إنّ وأنّ للتوكيد) أي توكيد النسبة، أعني قيامَ زيدٍ مثلاً في قولك : إن زيداً قائمٌ، فيرتفع الكذب واحتمال المجاز (ولكنَّ للاستدراك) وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوتُه أو نفيه (وكأنَّ للتشبيه) وهو مشاركة أمرٍ لأمرٍ في معنى بينهما (وليت للتمني) وهو طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر (ولعلَّ للترجي والتوقع) فالترجي طلب الأمر المحبوب، نحو : لعل الحبيبَ قادمٌ، والتوقع الإشفاق أي الخوف من المكروه، نحو : لعل زيداً هالكٌ (وأما ظننتُ وأخواتها، فإنها تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي : ظننتُ) نحو : ظننتُ زيداً قائماً، وإعرابه : ظننتُ فعل وفاعل، وزيداً مفعول أول منصوب بالفتحة الظاهرة، وقائماً : مفعول ثانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة (وحسبت، وخلت، وزعمت، ورأيت، وعلمت، ووجدت، واتخذت، وجعلت، وسمعت، تقول : ظننتُ زيداً منطلقاً) وإعرابه كما تقدم (وخلتُ الهلالَ لائحاً، وما أشبه ذلك) يعني أن ما أشبه المثالين من بقية الأمثلة يقاس على هذين المثالين نحو : زعمت بكراً صديقاً، وحسبت الحبيبَ قادما، ورأيتُ الصدقَ منجياً، وعلمتُ الجودَ محبوباً، ووجدتُ العلمَ نافعاً، واتَّخَذْتُ بكراً صديقاً، وجعلت الطينَ إبريقاً، وإعرابه كما تقدم؛ ومثال سمع : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول، فسمعت فعل وفاعل، والنبيَّ مفعول أول، ويقول فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا، والجملة في محل نصب مفعول ثان؛ والراجح أن سمع في نحو هذا المثال تتعدى لمفعول واحد والجملة التي بعدها حال، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم .
بـَــــابُ النَّعْــــــتِ
(النعت تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه وتنكيره) يعني أن النعت يتبع منعوته في رفعه إن كان مرفوعاً، وفي نصبه إن كان منصوباً، وفي خفضه إن كان مخفوضاً، وفي تعريفه إن كان معرفةً، وفي تنكيره إن كان نكرةً، وذلك في النعت الحقيقي وهو الرافع لضمير المنعوت () (تقول : قام زيدٌ العاقلُ) وإعرابه : قام فعل ماض، وزيدٌ فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والعاقل نعت لزيد ونعت المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو تابع للمنعوت في الرفع والتعريف (ورأيتُ زيداً العاقلَ) وإعرابه : رأيتُ فعل وفاعل، وزيداً مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، والعاقلَ نعت لزيد منصوب أيضاً بالفتحة الظاهرة، فقد تبعه في نصبه وتعريفه (ومررت بزيدٍ العاقلِ) وإعرابه : مررت فعل وفاعل، وبزيد الباء حرف جر، وزيد مجرور بالباء، والعاقلِ نعت له مجرور بالكسرة الظاهرة، فقد تبعه في خفضه وتعريفه .
وتقول في التنكير : جاء رجلٌ عاقلٌ، ورأيت رجلاً عاقلاً، ومررت برجلٍ عاقلٍ، وإعرابه : كالذي قبله، فقد تبع منعوته في الإعراب والتنكير .
ولما كان النعت تارة يكون معرفة، وتارة يكون نكرة، ذكر المصنف أقسام المعرفة والنكرة فقال (والمعرفة خمسة أشياءَ) المعرفة ما دلّ على معيّن، والذي ذكره المصنف خمسة أشياء الأوّل منها (الاسم المضمر) وهو ما دلّ على متكلم أو مخاطب أو غائب (نحو : أنَا) للمتكلم، ونحن للمتكلم ومعه غيره، أو المعظم نفسه (وأنتَ) للمخاطب، وأنتِ للمخاطبة، وأنتما للمخاطبيْن، وأنتم لجمع الذكور المخاطبين، وأنْتُنَّ لجمع الإناث المخاطبات، وهو للغائب، وهي للغائبة، وهما للغائبيْن، وهم للغائِبِينَ، وهن للغائبات (و) الثاني من أقسام المعرفةِ (الاسم العلم، نحو : زيدٌ ومكة) الأوّل عَلَمٌ لمن يعقل، والثاني عَلَمٌ لما لا يعقل (و) الثالث من أقسام المعرفة (الاسم المبهم نحو : هذا، وهذه، وهؤلاء) وهذا الاسم يشمل جميع أسماء الإشارة والأسماء الموصولة، نحو : الذي، والتي، والذين، ويحصل التعيين في أسماء الإشارة بالإشارة الحسية، وفي الأسماء الموصولة بالصلة، نحو : جاء الذي قام أبوه () (و) الرابع من أقسام المعرفة (الاسم الذي فيه الألف واللام، نحو : الرجل، والغلام، و) الخامس من أقسام المعرفة (ما أضيف إلى واحد من هذه الأربعةِ) نحو : غلامي، وغلام زيدٍ، وغلام هذا، وغلام الذي قام أبوه، وغلام الرجل (والنكرة كل اسم شائع في جنسه، لا يختص به واحد دون آخر) يعني أن النكرة هي الاسم الموضوع لفرد غير معيّن، نحو : رجلٌ، وغلامٌ، فلا يختص به واحد دون آخر (وتقريبه كل ما صلح دخول الألف واللام عليه، نحو : الرجلُ، والغلامُ) يعني أن الرجلَ والغلامَ قبل دخول الألف واللام عليهما نكرتان، لأن رجلاً يصدق على كل رجل () وكذلك غلام، فلما دخلت عليهما الألف واللام تعرّفاً، فقبول الألف واللام علامة التنكير، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بَــابُ الـعَــطْـفِ
والمراد به عطف النسق، وهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتية (وحروف العطف عشرة، وهي : الواو) نحو : جاء زيدٌ وعمرٌو، فجاء فعل ماض، وزيدٌ فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، وعمرٌو الواو حرف عطف، وعمرٌو معطوف على زيدٍ مرفوع بالضمة الظاهرة؛ فالمعطوف يتبع المعطوف عليه في إعرابه، سواء كان رفعاً أو غيره (والفاء) نحو : جاء زيدٌ فعمرٌو، فعمرٌو معطوف على زيد مرفوع بالضمة الظاهرة (وثم) نحو : جاء زيدٌ ثم عمرٌو (و أو) نحو : جاء زيدٌ أو عمرٌو (وأم) نحو : جاء زيدٌ، أم عمرٌو (وإما) نحو {فَإمَّا مَنَّاً بَعْدُ وإما فِدَاءٍ} فقوله {فِداءً} معطوف على {منَّاً} والعاطف الواو الداخلة على إما، وإما أتى بها للدلالة على التقسيم والتخيير، والمصنف جرى على أن إما هي العاطفة وهو ضعيف، والراجح أن العاطف الواو (وبل) نحو : ما جاء زيدٌ بل عمرٌو (ولا) نحو : جاء زيدٌ لا عمرٌو (ولكنْ) نحو : ما جاء زيدٌ لكنْ عمرٌو (وحتى في بعض المواضع) وذلك البعض هو ما كان ما بعدها بعضاً مما قبلها، نحو : أكلت السمكة حتى رأسَها، فحتى حرف عطف، ورأس معطوف على السمكة منصوب بالفتحة الظاهرة، والهاء مضاف إليه، وإعراب بقية الأمثلة ظاهرٌ (فإنْ عطفتَ بها على مرفوع رفعتَ) كما تقدم (أو على منصوب نصبتَ، أو على مخفوض خفضتَ، أو على مجزوم جزمتَ، تقول : قام زيدٌ وعمرٌو، ورأيت زيداً وعَمْراً، ومررت بزيد وعمرٍو) والإعراب ظاهر، ومثال العطف في الأفعال : زيدٌ يقومُ ويقعدُ، ولن يقومَ ويقعدَ (وزيدٌ لم يقُمْ ولمْ يقعُدْ) فالأوّل مرفوع، والثاني منصوب، والثالث مجزوم، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب التوكيد
وهو التابع الرافع للاحتمال، فإذا قلتَ : جاء زيدٌ، يحتمل أن يكون الكلام على تقدير مضاف، والتقديرُ : جاءَ كتابُ زيدٍ، أو رسولُه، فإذا قلتَ جاء زيدٌ نفسُه، ارتفع الاحتمال، وإذا قلت : جاء القومُ، يحتمل أن الذي جاء بعضهم، فإذا قلتَ : جاء القوم كلُّهم ارتفع الاحتمال (التوكيد تابع للمؤكَّد في رفعه) نحو : جاء زيدٌ نفسُه، فزيدٌ فاعلٌ، ونفسُه توكيد له، وتوكيد المرفوع مرفوع (ونصبه) نحو : رأيتُ زيداً نفسَه، فزيداً مفعول، ونفسَه توكيد له، وتوكيد المنصوب منصوب (وخفضِه) نحو : مررت بزيدٍ نفسِه، فزيد مجرور بالباء ونفسه توكيد له، وتوكيد المجرور مجرور (وتعريفه) كما رأيتَ في الأمثلة، ولم يقل وتنكيره، لأن ألفاظ التوكيد كلها مَعَارِف فلا تتبع النكرة، وأجاز ذلك الكوفيون () نحو : صُمْتُ شهراً كلَّه، فجعلوا كله توكيد الشهر ولم يوجبوا مطابقته في التنكير .
(ويكون بألفاظ معلومة، وهي : النفس) بمعنى الذات، نحو : جاءَ زيدٌ نفسُه (والعين) بمعنى الذات أيضاً، نحو : جاء زيدٌ عينُه (وكل) نحو : جاء القوْمُ كلُّهم، فالقوم فاعل، وكلُّ توكيد للقوم، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع (وأجمع) نحو : جاءَ القومُ أجمَعُ، فأجمع توكيد للقوم مرفوع بالضمة الظاهرة (وتوابع أجمع، وهي : أكْتَع، وأبْتَع، وأبْصَع) يؤتى بها في التوكيد تابعة لأجمع، نحو : جاء القومُ أجمعون، أكتعون ،أبتعون ،أبصعون ،وإعرابه : جاء فعل ماض، والقوم فاعل مرفوع بالضمة، وأجمعون تأكيد للقوم مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وأكتعون تأكيد ثان، وأبتعون ثالث، وأبصعون رابع، وإعرابها كإعراب ما قبلها () وأتى بها لزيادة التوكيد والمبالغة فيه، وكلها بمعنى أجمعون لأن أكتع مأخوذ من قولهم : تكتع الجلد إذا اجتمع، وأبتع من الْبَتْعِ وهو طول العنق، والقوم إذا كانوا مجتمعين طالَتْ أعناقهم، فجعلوه كناية عن الاجتماع، وأبصع مأخوذ من البَصْعِ وهو العرق المجتمع فيكون بمعنى أجمع؛ ولما كانت هذه الألفاظ الثلاثة لا يؤتى بها غالباً إلا بعد أجمع سميت توابع أجمع (تقول : قام زيدٌ نفسُه) فزيدٌ فاعل، ونفس توكيد له، والهاء مضاف إليه (ورأيت القومَ كلَّهُم) فالقومَ مفعول به لرأيتُ، وكلَّ تأكيد للقوم، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع (ومررت بالقوم أجمعين) فالقوم مجرور بالباء، وأجمعين تأكيد للقوم مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب البدل
هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة () بينه وبين متبوعه () نحو : جاءَ زيدٌ أخوك، فزيدٌ فاعل، وأخوك بدل من زيد، بدل كل من كل، ويسمى البدل المطابق لأن المراد من الثاني هو الأول بعينه (إذا أُبدل اسم من اسم) نحو : جاء زيدٌ أخوك (أو فعل من فعل) نحو : إن تُصَلِّ تسجد لله يرحمك (تبعه في جميع إعرابه) رفعاً، ونصباً، وخفضاً، وجزماً (وهو أربعة أقسام : بدل الشئ من الشئ) ويقال له : بدل الكل من الكل، والبدل المطابق، وهو ما كان الثاني فيه عين الأول، نحو : جاء زيدٌ أخوك (وبدل البعض من الكل) وهو ما كان الثاني فيه بعضاً من الأول، نحو : أكلت الرغيفَ ثُلَثه (وبدل الاشتمال) وهو ما كان الثاني فيه بينه وبين الأول ارتباط بغير الكلية والجزئية، نحو : نَفعني زيدٌ علمُهُ () (وبدل الغلط) وهو ما ذكر فيه الأول غلطاً، ثم ذكر الثاني لإزالة ذلك الغلط، نحو : ركبت زيداً الفرس، وقد مثّل المصنف رحمه الله تعالى للأقسام الأربعة بقوله (نحو قولك : قامَ زيدٌ أخوك) فزيدٌ فاعل، وأخوك بدل منه بدل كل من كل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة، والكاف مضاف إليه (وأكلتُ الرغيفَ ثُلثَه) فالرغيفَ مفعول به لأكلتُ، وثلثَ بدل منه بدل بعض من كل، والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر (ونفعني زيدٌ علمه) وإعرابه : نَفَعَ فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول به مبني على السكون في محل نصب، وزيدٌ فاعلُ نفعَ مرفوع بالضمة الظاهرة، وعلمُ بدل اشتمال من زيدٍ، والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر (ورأيتُ زيداً الفرسَ) فزيداً مفعول به لرأيتُ، والفرس بدل غلط أي بدل عن اللفظ الذي ذكر غلطاً، وهو المراد بقوله (أردت أن تقول : الفرس فغلطت فأبدلت زيداً منه) المراد من قوله فأبدلتَ الإبدال اللغوي وهو التعويض، والمعنى عوضت زيداً عن الفرس الذي كان حقّ التركيبِ الإتيان به بدون لفظ زيدٍ، فلا ينافي أن البدل في الاصطلاح في هذا التركيب هو الفرس لا زيدٌ، فلا اعتراض على المصنف بأن البدل هو الفرس لا زيدٌ، فكيف يقول فأبدلتَ زيداً منه؛ وحاصل الجواب أن مراده الإبدال اللغوي لا الاصطلاحي، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بــَـابُ مَنْصُوبَاتِ الأَسْمَاءِ
(المنصوبات خمسَةَ عشرَ، وهي : المفعول به) نحو : ضربتُ زيداً، فزيدا مفعول به منصوب (والمصدرُ) نحو : ضربتُ ضرباً، فضرباً مصدر منصوب، ويعبر عنه بالمفعول المطلق (وظرف الزمان) نحو : صُمْتُ اليوْمَ، فصمت فعل وفاعل، واليوم منصوب على الظرفية الزمانية (وظرف المكان) نحو : جلَسْتُ أمامَ الكعبةِ، فجلستُ فعل وفاعل ،وأمام منصوب على الظرفية المكانية، والكعبة مضاف إليه (والحالُ) نحو : جاء زيدٌ راكباً، فجاء زيدٌ فعل وفاعل، وراكباً حال من زيدٌ منصوب بجاء (والتّمييزُ) نحو {وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونَاً} ففجَّرنا فعل وفاعل، والأرْضَ مفعول به، وعُيُونَاً تمييز منصوب بفَجَّرْنا (والمستثنى) نحو : قام القومُ إلا زيداً، فالقوْمُ فاعل قام، وإلا أداةُ استثناءٍ، وزيداً منصوب على الاستثناء بإلا (واسم لا) نحو : لا غلامَ رجلٍ حاضرٌ، فلا نافية للجنس تنصب الاسم وترفع الخبر، وغلام اسمها منصوب بالفتحة، وغلام مضاف ورجل مضاف إليه، وحاضرٌ خبرها مرفوع بالضمة (والمنادى) نحو : يا غلامَ زيدٍ، فيا حرف نداءٍ، وغلامَ منادى منصوب بالفتحة لأنه منادى مضاف، وزيدٍ مضاف إليه (وخبر كان وأخواتها) نحو : كان زيدٌ قائماً، فكان فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وزيدٌ اسمها مرفوع، وقائماً خبرها منصوب (واسم إنَّ وأخواتها) نحو : إنَّ زيداً قائمٌ، فإنّ حرف توكيد ونصب، تنصب الاسم، وترفع الخبر، وزيداً اسمها منصوب، وقائمٌ خبرها مرفوع (والمفعول من أجله) نحو : قام زيدٌ إجلالاً لعمرو، فقام زيدٌ فعل وفاعل، وإجلالاً مفعول لأجله منصوب بقام، لعمرو جار ومجرور متعلق بإجلالاً (والمفعول معه) نحو : سرتُ والنيلَ، فسرتُ فعل وفاعل، والنيلَ الواو واو المعية، والنيلَ مفعول معه منصوب بسرتُ (والتابع للمنصوب، وهو أربعة أشياء : النعت) نحو : رأيتُ زيداً العاقلَ (والعطف) نحو : رأيتُ زيداً وعَمْراً (والتوكيد) نحو : رأيتُ زيداً نفسهُ (والبدل) نحو : رأيتُ زيداً أخاك، وإعراب الأمثلة ظاهر، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بَابُ الْمَفْعُولِ بهِ
لما ذكر المنصوبات إجمالاً شرع يذكرها تفصيلاً، ولم يذكر في التفصيل خبر كان وأخواتها، واسم إنّ وأخواتها، والتوابع، لتقدم ذكرها في المرفوعات، وبدأ بذكر المفعول به وهو في اللغة : من وقع عليه الفعل، سواء كان الفعل حسيّاً، كضربتُ زيداً، أو معنوياً، كتعلمتُ المسئلةَ، فإن الضرب حسيّ، والتعلم معنوي، وفي اصطلاح النحاة ما ذكره بقوله (وهو الاسم المنصوب الذي يقع به الفعل) يعني أن المفعول به في اصطلاح النحاة هو : الاسم الذي يقع عليه فعل الفاعل (نحو : ضَرَبْتُ زيداً، ورَكِبْتُ الفرَسَ) فزيداً مفعول به لضربتُ، والفرسَ مفعول به لركبتُ، ومثل بمثالين للإشارة إلى أنه لا فرق في المفعول به بين كونه عاقلاً كزيد، أو غير عاقل كالفرس (وهو على قسمين : ظاهر، ومضمر) كما أن الفاعل ظاهرٌ ومضمرٌ (فالظاهر ما تقدم ذكره) وهو زيدٌ، والفرسُ المتقدمان في المثالين السابقين (والمضمر قسمان : متصل) وهو الذي لا يبتدأ به، ولا يقع بعد إلا في الاختيار، نحو : الكاف من رأيتك، إذ لا يصح أن يقال ما رأيتُ إلاكَ، وقد يقع مثل ذلك في غير الاختيار وهو ضرورة الشعر (ومنفصل) وهو الذي يقع في ابتداء الكلام نحو {إيَّاكَ نَعْبُدُ} ويقع بعد إلا في الاختيار، نحو : ما نَعْبُدُ إلا إياّكَ (فالمتصل اثنا عشر، نحو قولك : ضَرَبَني) وإعرابه : ضرب فعل ماض، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم مفعول به مبني على السكون في محل نصب (وضربَنَا) بفتح الباء، فنا ضمير المتكلم ومعه غيره أو المعظم نفسه مبني على السكون في محل نصب مفعول به (وضربَكَ) بفتح الكاف، فالكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به (وضَرَبَكِ) بكسر الكاف، ضمير المخاطبة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به (وضَرَبَكُما) فالكاف ضمير المخاطَبَيْن مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والميم حرف عماد، والألف حرف دالّ على التثنية (وضَرَبَكُم) فالكاف ضمير جمع الذكور المخاطبِين مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والميم علامة الجمع (وضَرَبَكُنَّ) فالكاف ضمير جمع الإناث المخاطبات مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والنون علامة جمع النسوة (وضَرَبَهُ) فالهاء ضمير المذكر الغائب مبني على الضم في محل نصب مفعول به (وضَرَبَها) فالهاء ضمير المؤنثة الغائبة مبني على السكون في محل نصب مفعول به (وضَرَبَهُما) فالهاء ضمير المثنى الغائـبَـيْن مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والميم حرف عماد ، والألف حرف دالّ على التثنية (وضربهم) فالهاء ضمير جمع الذكور الغائبِين مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والميم علامة الجمع (وضربهن) فالهاء ضمير جمع الإناث الغائبات مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والنون علامة جمع النسوة (والمنفصل اثنا عشر، نحو قولك : إياي) فإذا قلت : ما أكرمتَ إلا إياي تقول في إعرابه : ما نافية، وأكرمت فعل وفاعل، وإلا أداة حصر، وإن شئت قلت إلا حرف لإيجاب النفي () أو أداة استثناء ملغاة لا عمل لها، وإيا ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به لأكرمتَ، والياء الأخيرة حرف دالّ على المتكلم (وإيانا) للمتكلم ومعه غير، أو المعظم نفسه (وإياكَ) بفتح الكاف للمخاطب (وإياكِ) بكسر الكاف للمخاطبة (وإياكُما) للمخاطبَين (وإياكُم) لجمع الذكور المخاطبين (وإياكُنّ) لجمع الإناث المخاطبات، فإيا في الجميع هي الضمير، وكلها يقال فيها : ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والياء في الأول حرف دالّ على المتكلم، ونا في الثاني حرف دال على المتكلم ومعه غيره، أو المعظم نفسه، والكاف فيما بعده للمخاطب، أو المخاطبة، أو المخاطَبَيْن، أو المخاطبِين، أو المخاطبات، والميم في إياكما حرف عماد، والألف حرف دالّ على التثنية، والميم في إياكم حرف دال على جمع الذكور المخاطبين، والنون في إياكن حرف دالّ على جمع النسوة المخاطبات (وإياه) للمفرد المذكر الغائب، والهاء حرف دال على الغيبة (وإياها) للمفردة الغائبة (وإياهما) للمثنى الغائبَيْن (وإياهم) لجمع الذكور الغائبِين (وإياهن) لجمع الإناث الغائبات، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بَابُ الْمَصْدَرِ
ويسمى المفعول المطلق (وهو : الاسم المنصوب الذي يجئ ثالثاً في تصريف الفعل، نحو قولك : ضربَ يضربُ ضرباً) يعني أن المصدر هو الاسم أي اسم الحدث الذي يجئ ثالثاً في تصريف الفعل أي تغييره من صيغة إلى صيغة أخرى، نحو : ضربَ يضربُ ضرباً، فقد تغير من صيغة الماضي، إلى صيغة المضارع ثانياً، والمصدر ثالثا، فإذا قلت : ضربَ زيْدٌ ضرباً، فزيدٌ فاعل، وضرباً مفعول مطلق منصوب بضرب، وإن شئت قلت : منصوب على المصدر بضرب (وهو قسمان : لفظي ومعنوي، فإنْ وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظي، نحو قولك : قتلتُه قتلاً، وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي، نحو : جلست قعوداً، وقمت وقوفاً) فإن الجلوس والقعود بمعنى واحد، كما أن القيام والوقوف بمعنى واحد، فكل من قعوداً ووقوفاً منصوب على المصدرية بالفعل الذي قبله، ويكفي اتفاقهما في المعنى وإن اختلفا في اللفظ، وقيل يقدر لهما فعل موافق في اللفظ فيقال في الأول : جلست وقعدت قعوداً، وفي الثاني : قمت ووقفت وقوفاً، وذلك تكلف لا حاجة إليه، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب ظرف الزمان وظرف المكان
(ظرف الزمان) في اصطلاح النحاة (هو اسم الزمان) الذي يقع الحدث فيه (المنصوب بتقدير في) فإذا قلت : صمتُ يومَ الخميس كان التقدير صمت في يوم الخميس، فاليوم وقع الصوم فيه (نحو : اليوم) في نحو قولك : صمتُ اليومَ، فاليومَ منصوب على الظرفية الزمانية بصمتُ، ومثله صمتُ يومَ الجمعةِ، أو يومَ الخميس (والليلة) نحو : اعتكفت الليلة أو ليلةً أو ليلة الجمعةِ، فالكل منصوب على الظرفية الزمانية بالفعل الذي قبله (وغدوة) نحو : أزورك غدوةً، فأزورك فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه وجوباً تقديره أنا، والكاف ضمير المخاطب مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، وغدوةً منصوب على الظرفية الزمانية بأزور (وبكرة) نحو : أزورك بكرةً (وسحراً) نحو : أجيئك سحراً (وغداً) نحو : أجيئك غداً (وعتمة) نحو : أجيئكَ عتمةً (وصباحاً) نحو : أجيئك صباحاً (ومساء) نحو : أجيئك مساءً، والإعراب ظاهر مما قبله (وأبداً) نحو : لا أكلمُ زيداً أبداً ، وإعرابه لا نافية، وأكلمُ فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه وجوباً تقديره أنا، وأبداً منصوب على الظرفية الزمانية؛ والأبد الزمن المستقبل الذي لا نهاية له (وأمداً) نحو : لا أكلم زيداً أمداً، والأمد الزمن المستقبل (وحيناً) تقول : قرأت حيناً، فقرأتُ فعل وفاعل، وحيناً منصوب على الظرفية الزمانية، والحين الزمان المبهم (وما أشبه ذلك) نحو : وقت، وساعة، وضحوة (وظرف المكان هو اسم المكان) الذي يقع فيه الحدث (المنصوب بتقدير في، نحو : أمام) تقول : جلست أمام الشيخ، فجلستُ فعل وفاعل، وأمام منصوب على الظرفية المكانية بجلست، والشيخ مضاف إليه (وخلف) نحو : جلست خلفه (وقُدّام) بمعنى الأمام (ووراء) بمعنى الخلف (وفوق) نحو : جلست فوق السطح، ففوق منصوب على الظرفية المكانية، والسطح مضاف إليه (وتحت) نحو : جلست تحت السقف، فتحت منصوب على الظرفية المكانية، والسقف مضاف إليه (وعند) بمعنى المكان القريب، نحو : جلست عند زيدٍ، فعند منصوب على الظرفية المكانية، وزيد مضاف إليه (ومع) بمعنى مكان الاجتماع والمصاحبة، نحو : ركبت مع زيدٍ، فمع منصوب على الظرفية المكانية، وزيد مضاف إليه (وإزاء) بمعنى مقابل، نحو : جلست إزاء زيدٍ، فإزاء منصوب على الظرفية المكانية، وزيد مضاف إليه (وحذاء) بمعنى المكان القريب، نحو : جلست حذاء زيدٍ، فحذاء منصوب على الظرفية المكانية، وزيد مضاف إليه (وتلقاء) بمعنى مقابل، نحو جلست تلقاء زيد، فتلقاء منصوب على الظرفية المكانية، وزيد مضاف إليه (وهنا) اسم إشارة للمكان القريب، فهو ظرف مكان، نحو : جلست هنا، فهنا مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية (وثَمَّ) اسم إشارة للمكان البعيد، فهو ظرف مكان، نحو : جلست ثَمَّ، فثَمَّ مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية (وما أشبه ذلك) من أسماء المكان المبهمة، نحو : يمين، وشمال، وبريد، وفرسخ، وميل، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بــــَـــابُ الْحَـــالِ
(الحال هو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم () من الهيئات) () يعني أن الحال هو الاسم المنصوب المفسر لهيئة صاحبه عند حصول معنى عامله، فهو وصف في المعنى لصاحبه، قَيْدٌ لعامله (نحو : جاء زيدٌ راكباً) فزيدٌ فاعل جاء، وراكباً حال منه حصل بها بيان هيئته عند المجيء، فهي حال من الفاعل، وناصبه الفعل المذكور قبله، وقد تأتي الحال من المفعول كما ذكره بقوله (وركبتُ الفرسَ مسرجاً) فالفرس مفعول ركبتُ، ومسرجاً حال من الفرس فهو حال من المفعول، وناصبها الفعل المذكور قبله (ولقيتُ عبدَ الله راكباً) فعبدَ الله مفعول لقيت، وراكباً يحتمل أن يكون حالاً من التاء وهي الفاعل، أو من عبد الله وهو المفعول (وما أشبه ذلك) من أمثلة الحال، وقد تكون الحال جملة، نحو : جاءَ زيدٌ والشمسُ طالعةٌ، فالواو واو الحال () والشمس طالعة مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال من زيد، وهي في قوة قولك : جاء زيد مقارناً طلوع الشمس (ولا يكون الحال إلا نكرة) يعني أن الحال لا تكون إلا نكرة كما في الأمثلة السابقة وقد تأتي معرفة فتؤوّل بنكرة، نحو : ادخلوا الأول فالأول، أي مرتبين، واجتهد وحدك أي منفرداً (ولا يكون إلا بعد تمام الكلام) كما في الأمثلة السابقة، وقد يجب تقديم الحال إذا كان لها صدر الكلام، كأسماء الاستفهام نحو : كيف جاء زيدٌ، وإعرابه : كيف اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الحال من زيد، وجاء زيد فعل وفاعل (ولا يكون صاحبها إلا معرفة) كما في الأمثلة السابقة، وقد تأتي من صاحبها النكرة نكرة سماعاً، ومنه الحديث "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، وصلى وراءه رجالٌ قياماً" فقياماً حال من رجال وهو نكرة، وهو يحفظ ولا يقاس عليه، وقد () يكون صاحبها نكرة قياساً بمسوّغ من المسوّغات المذكورة في المطوّلات، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بَابُ الَّتْمِييزِ
(التمييز هو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم () من الذوات) وناصبه ما قبله من فعل، أو عدد، أو مقدار () كما سيظهر من الأمثلة، وقد يكون مُبَيِّناً لما خَفي من النِّسَبِ كما سيتضح بالأمثلة أيضاً (نحو قولك : تصَبَّبَ زيدٌ عرقاً) فَتَصَبَّبَ فعل ماض، وزيد فاعل، وعرقاً تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة بالفعل قبله، وهو مبين لما انبهم من النسبة فإن نسبة التصبب إلى زيد تحتمل أن تكون من جهة العرق أو غيره، وكذا قوله (وتفقأ بَكرٌ () شحماً، وطاب محمد نفساً) كل من التمييزين فيهما مبين لما انبهم من النسبة، وكل من التركيبين فعل وفاعل، وشحماً في الأول تمييز، وكذا نفساً في الثاني (واشتريت عشرين غلاماً) اشتريت فعل وفاعل، وعشرين مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وغلاماً تمييز لعشرين لإبهامها ولصلاحيتها لكل معدود، وناصب التمييز عشرين (وملكت تسعين نعجةً) ملكت فعل وفاعل، وتسعين مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر، ونعجة تمييز لتسعين منصوب به كما تقدم في عشرين (وزيدٌ أكرم منكَ أباً) زيد مبتدأ، وأكرم خبره، ومنك جار ومجرور متعلق بأكرم، وأباً تمييز منصوب بأكرم مُحَوَّل عن المبتدأ، والأصل أبو زيد أكرم منك فحول التركيب () وقيل : زيد أكرم منك، فحصل إبهام في نسبة الأكرمية إليه من أي جهة، فجئ بالتمييز لبَيان ذلك الإبهام، ومثله قول (وأجمل منك وجهاً) فأجمل معطوف على أكرم الواقع خبراً عن زيد، والمعطوف على الخبر خبر، والتقدير زيدٌ أجمل منك وجهاً، فزيد مبتدأ، وأجمل خبره، ومنك جار ومجرور متعلق بأجمل، ووجهاً تمييز محول عن المبتدأ لإبهام نسبة الأجملية إليه، والأصل وجه زيد أجمل منك ففعل به ما تقدم (ولا يكون إلا نكرة) يعني أن التمييز كالحال لا يكون إلا نكرة كما تقدم في الأمثلة، وأما قوله : وطبت النفس يا قيس عن عمرو، فأل فيه زائدة (ولا يكون إلا بعد تمام الكلام) كما تقدم في الأمثلة أيضاً، وقد يتقدّم إذا كان عامله متصرفاً، كقوله :
وشيباً رأسي اشْتَعَلاً
فشيباً تمييز مقدم على عامله وهو اشتعل، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بـَــابُ الاسْتِثْنَـــــــــــاءِ
هو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها (وحروف الاستثناء ثمانية، وهي : إلا) نحو : قام القوم إلا زيداً، فقام القوم فعل وفاعل، وإلا أداة استثناء، وزيداً منصوب بإلا على الاستثناء (وغير) نحو : قام القوم غير زيدٍ، فغير منصوب على الاستثناء، وزيد مضاف إليه (وسِوى وسُوى وسَوَاءٌ) نحو : قام القوم سوى زيدٍ، فسوى منصوب على الاستثناء بفتحة مقدرة على الألف للتعذر، وزيدٍ مضاف إليه () (وخلا ، وعدا ، وحاشا) () نحو : قام القوم خلا زيداً، وعدا عمراً، وحاشا بكراً، فخـلا فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على القائم المفهوم من قام القوم () وزيداً منصوب على المفعولية بخلا، وهو استثناء في المعنى إذ المعنى إذا جاوز القائم زيداً أي خالفه () فهو بمنزلة قام القوم إلا زيداً، ومثله عدا عمراً وحاشا بكراً (فالمستثنى بإلا يُنْصَبُ إذا كان الكلام تاماً موجباً) التام هو الذي ذكر فيه المستثنى والمستثنى منه، والموجب هو المثبت أي الذي لم يدخله نفي ولا نهي ولا استفهام (نحو : قام القوم إلا زيداً) فقام القوم فعل وفاعل، وإلا أداة استثناء، وزيداً منصوب على الاستثناء بإلا (وخرج الناس إلا عَمْراً) هو مثله في الإعراب، وكل من المثالين تام موجب يجب فيه نصب المستثنى، فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه يسمى الاستثناء متصلاً كالمثالين () وإن كان من غير جنسه يسمى منقطعاً () نحو : قام القوم إلا حماراً (وإن كان الكلام منفياً تاماً، جاز فيه البدل والنصب على الاستثناء) يعني أن الكلام التام إذا تقدمه نفي، ومثله شبه النفي كالنهي والاستفهام جاز في المستثنى النصب على الاستثناء، والإتباع على البدلية وهو المختار، فالنفي (نحو : ما قام القومُ إلا زيدٌ) بالرفع بدل من القوم بدل بعض من كل، والعائد مقدر أي منهم () (وزيداً) بالنصب على الاستثناء، ومثال النهي : لا يقم أحدٌ إلا زيدٌ، وإلا زيداً، ومثال الاستفهام : هل قام القوم إلا زيدٌ، وإلا زيداً، ومحل جواز الأمرين إذا كان الاستثناء متصلاً، فإن كان منقطعاً وجب النصب وإن تقدمه نفي أو شبهه، نحو : ما قام القوم إلا حماراً، ولا يجوز إلا حمارٌ بالرفع، هذا مذهب جمهور العرب، وأجاز بنو تميم فيه الإبدال أيضاً () (وإن كان الكلام ناقصاً كان على حسب العوامل) يعني إذا كان الكلام ناقصاً بعدم ذكر المستثنى منه كان المستثنى على حسب العوامل التي قبله (نحو : ما قام إلا زيدٌ) فما نافية، وقام فعل يطلب فاعلاً، وإلا أداة استثناء ملغاة لا عملَ لها، لأن ما قبلها يطلب ما بعدها، وزيدٌ فاعل (وما ضَرَبْتُ إلا زيداً) فزيداً مفعول ضربت، وإلا ملغاة لا عمل لها (وما مررت إلا بزيدٍ) فزيد مجرور بالباء ، وإلا ملغاة لا عمل لها، والجار والمجرور متعلق بمررت (والمستثنى بغير، وسِوى، وسُوى، وسَوَاءٍ مجرور لا غير) يعني أن المستثنى بهذه الأدوات الأربعة يجب جره بإضافتها إليه، وأما هي فلها حكم المستثنى بإلا السابق من وجوب النصب مع التمام والإيجاب، نحو : قام القوم غيرَ زيدٍ، وأرجحية الإتباع مع التمام والنفي في المتصل، نحو : ما قام القومُ غيرُ زيدٍ، برفع غير على البدلية، ونصبها على الاستثناء () ووجوب النصب في المنقطع عند غير تميم، نحو : ما قام القوم غير حمارٍ، ومن الإجراء على حسب العوامل في الناقص نحو : ما قام غيرُ زيدٍ، وما رأيت غيرَ زيدٍ، وما مررت بغيرِ زيد، وهكذا حكم سِوى وسُوى وسواء في الجميع (والمستثنى بخلا، وعدا، وحاشا، يجوز نصبه وجره، نحو : قام القومُ خلا زيداً) بنصب زيداً على أن خلا فعل ماض، وفاعلها مستتر يعود على القائم المفهوم من قام القوم، وزيداً مفعول به (وزيدٍ) بالجر على أن خلا حرف جر (وعدا عمراً، وعمرٍو، وحاشا زيداً وزيدٍ) بالنصب والجر في المثالين نظير الأول، والحاصل أن المستثنى بهذه الكلمات الثلاث يجوز نصبه بها على تقديرها أفعالاً، وجره على تقديرها حروفا، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بـَــــــابُ لا
(اعلم أن لا تنصب النكرات بغير تنوين، إذا باشرت النكرة ولم تتكرر لا) يعني أنَّ لا النافية للجنس () تنصب الاسم وترفع الخبر، مثل إنَّ لكنها تختص بالنكرات، فلا تعمل في معرفة، ويشترط أن تباشر النكرة ولا تكرر، فإن دخلت على ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف فإنه يبنى على الفتح (نحو : لا رجلَ في الدار) فلا نافية للجنس تعمل عمل إنَّ تنصب الاسم وترفع الخبر، ورجلَ اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وفي الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، وإن دخلت على مضاف أو شبيه بالمضاف فإنها تنصبه ولا يبنى، نحو : لا غلامَ سفرٍ حاضرٌ، ولا طالعاً جبلاً موجودٌ، وإعراب المثال الأول : لا نافية للجنس، وغلامَ اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وسفرٍ مضاف إليه، وحاضر خبرها؛ وإعراب المثال الثاني : لا نافية للجنس، وطالعاً اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، وجبلاً منصوب بطالعاً على أنه مفعوله لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وموجود خبرها، والشبيه بالمضاف هو ما تعلق به أي اتصل به شئ من تمام معناه () مرفوعاً كان، نحو : لا قبيحاً فعلُه ممدوح، ففعله مرفوع بقبيحاً على أنه فاعله، أو منصوباً نحو : لا طالعاً جبلاً حاضر، أو مجروراً بحرف جر، نحو : لا خيراً من زيدٍ عندنا، فَمِنْ زيدٍ جار ومجرور متعلق بخيراً (فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا) نحو : لا في الدار رجلٌ ولا امرأة) فلا نافية للجنس ملغاة لا عمل لها، وفي الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ورجل مبتدأ مؤخر، وامرأة معطوف على رجل (فإن تكررت جاز إعمالها وإلغاؤها) يعني إنْ دخلت على نكرة وباشرتها وتكررت لا، جاز إعمالها عمل إنّ وإلغاؤها، فيكون ما بعدها مبتدأً وخبراً (فإن شئت قلت لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ) بفتح رجلَ وامرأةَ على إعمال لا، وجعل كل منهما اسماً لها (وإن شئت قلتَ : لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ) برفع رجلٌ وامرأةٌ على إلغائها، وجعل ما بعدها مبتدأ، وفي هذين المثالين أوجه كثيرة مذكورة في المطوّلات، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بــــاب المنــــــــادى
(المنادى () خمسة أنواع : المفرد العلم، والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، والمُشَبَّه بالمضاف) يعني أن المنادى ينقسم إلى خمسة أقسام : المفرد العلم، والمراد منه ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، نحو : زيد، وعمرو، والنكرة المقصودة () نحو : رجلٌ وامرأةٌ إذا أريد بهما معين، والنكرة غير المقصودة، نحو : رجلٌ إذا أريد به رجل غير معين، كقول الأعمى : يا رجلاً خذ بيدي () والمضاف كغلام زيدٍ، والمشبه بالمضاف كيا طالعاً جبلا (فأما المفرد العلم، والنكرة المقصودة، فيبنيان على الضم من غير تنوين، نحو : يا زيدُ، ويا رجلُ) فيا حرف نداء، وزيدُ منادى مبني على الضم في محل نصب، ومثله : يا رجلُ، والمثنى يبنى على الألف، وجمع المذكر السالم يبنى على الواو، نحو : يا زيدان ، ويا زيدون .
والحاصل أن كلاً يبنى على ما يرفع به (والثلاثة الباقية منصوبة لا غير) نحو : يا رجلاً خذ بيدي، ويا غلامَ زيدٍ، ويا طالعاً جبلاً، فكلٌ منها منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، وزيد مضاف لغلام، وجبلاً مفعول لطالعاً، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب المفعول من أجله
(وهو الاسم المنصوب الذي يذكر بياناً لسبب وقوع الفعل، نحو : قَامَ زيدٌ إجلالاً لعمرو) فقام زيدٌ فعل وفاعل، إجلالاً منصوب على أنه مفعول لأجله، لأنه ذكر لبيان علة وقوع القيام (وقصدتك ابتغاء معروفك) فقصدتك فعل وفاعل ومفعول به، وابتغاء مفعول لأجله، ومعروف مضاف، والكاف مضاف إليه، وللمفعول لأجله شروط تطلب من المطوّلات، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب المفعول معه
(وهو الاسم المنصوب الذي يذكر لبيان من فعل معه الفعل) يعني أن المفعول معه هو الاسم المنصوب الذي يذكر لبيان الذات التي فعل الفعل بمصاحبتها، ويشترط له أن يقع بعد واو مفيدة للمعية نصاً (نحو : جاء الأمير والجيشَ) فجاء الأمير فعل وفاعل، والجيش : الواو واو المعية، والجيش منصوب على أنه مفعول معه، وناصبه الفعل المذكور قبله (واستوى الماء والخشبةَ) وإعرابه كالذي قبله، والاستواء معناه الارتفاع، والمعنى ارتفع الماء حتى حاذى الخشبة، والخشبة مقياس يعرف بها قدر ارتفاع الماء (وأما خبر كان وأخواتها) نحو : كان زيدٌ قائماً (واسم إنّ وأخواتها) نحو : إنّ زيداً قائمٌ (فقد تقدم ذكرهما في المرفوعات) ولا حاجة إلى إعادة ذلك هنا (وكذلك التوابع) وهي النعت، نحو : رأيتُ زيداً العالمَ، والعطف نحو : رأيتُ زيداً وعَمْراً، والتوكيد نحو : رأيتُ زيداً نفسَه، والبدل نحو : رأيتُ زيداً أخاك (فقد تقدمت هناك) فلا حاجة إلى إعادتها هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم .
بــاب مخفوضات الأسمــــاء
(المخفوضات ثلاثة : مخفوض بالحرف) نحو : مررت بزيدٍ (ومخفوض بالإضافة) نحو : جاء غلامُ زيدٍ (وتابع للمخفوض) نحو : مررت بزيدٍ العالمِ، وبزيدٍ وعمرٍو، وبزيدٍ نفسِه، وبزيدٍ أخيك، وكلامه يوهم أن التابع مخفوضٌ بالتبعية، والصحيح أنه مخفوض بما جر المتبوع () إلا البدل فعلى نية تكرار العامل، فلم يخرج الخفض عن الخفض بحرف أو بالمضاف (فأما المخفوض بالحرف فهو ما يخفض بمن وإلى) نحو : سرتُ من البصرةِ إلى الكوفةِ (وعن) نحو : رميت السهمَ عن القوسِ (وعلى) نحو : ركبت على الفرسِ (وفي) نحو : الماء في الكوزِ (وربَّ) نحو : رُبَّ رجلٍ كريمٍ لقيته (والباء) نحو : مررت بزيدٍ (والكاف) نحو : زيدٌ كالبدرِ (واللام) نحو : المال لزيدٍ (وحروف القسم، وهي : الواو، والباء، والتاء) نحو : واللهِ، وباللهِ، وتاللهِ (و بمذ ، ومنذ) نحو : ما رأيته مذ أو منذ يومِ الجمعةِ، فما نافية، ورأيتُهُ فعل وفاعل ومفعول، ومذ ومنذ حرفا جر، ويومِ مجرور بمذ أو منذ، والجمعةِ مضاف إليه (وأما ما يخفض بالإضافة، فنحو قولك : غلام زيدٍ) فإذا قلت مثلاً : جاء غلامُ زيدٍ، فجاء فعل ماض، وغلامُ فاعل، وزيدٍ مضاف إليه، وهو مجرور بالمضاف وهو غلام، وكلامه يوهم أنه مجرور بالإضافة، وهذا قول ضعيف والصحيح أنه مجرور بالمضاف (وهو على قسمين) يعني أن الإضافة تنقسم إلى قسمين : تارة تكون على معنى اللام، وتارة تكون على معنى مِنْ () وأشار إليهما بقوله (ما يقدر باللام ، نحو : غلام زيدٍ) أي غلامٌ لزيد (وما يقدر بمِن ، نحو : ثوب خز، وباب ساج، وخاتم حديد) أي ثوبٌ من خَزٍّ، وبابٌ من ساجٍ () وخاتمٌ من حديدٍ (وما أشبه ذلك) من أمثلة القسمين، وضابط الإضافة التي تكون على معنى مِنْ أن يكون المضاف إليه جنساً للمضاف، فتكون من لبيان الجنس؛ وبقي قسم ثالث تكون الإضافة فيه على معنى في، وهو أن يكون المضاف إليه ظرفاً للمضاف، نحو {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} أي ترَبُّصُ في أربعة أشهر، فإذا لم يكن المضاف جنساً للمضاف إليه، ولا ظرفاً له، فهي على معنى اللام، كما قال ابن مالك :
والثانيَ اجرُر وانوِ مِنْ أوْ في إذا * لَمْ يَصْلُحِ إلا ذاكَ واللامَ خُذا * لِما سِوَى ذَيْنِكَ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
(قال مؤلف هذا الشرح رحمه الله تعالى) هذا آخر ما يسره الله تعالى على متن الآجرومية للإمام الصنهاجي رحمه الله تعالى، بقلم الفقير كثير الذنوب والآثام، خادم طلبة العلم بالمسجد الطائفي، والمسجد الحرام المرتجي من ربه الغفران أحمد بن زيني دحلان غفر الله له ولوالديه ومشايخه ولسائر المسلمين آمين : كتبت ذلك مع زمن يسير في الطائف عند مسجد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكان وقت فراغه في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وأسأل الله تعالى أن ينفع به كل طالب غير حاسد، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، بجاه النبي () وآله وصحبه الكرام، وكذلك أسأل كل من وقف على ذلك أو انتفع به أن يستر ما فيه من الخلل، وأن ينبه على ما وقع فيه بالرد الصريح بعد التأمل، فإنه قلّ أن يخلو مؤلفٌ عن هفوة، أو ينجو مصنفٌ من عثرة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يهدينا سبل السلام، والله ولي التوفيق يهدي من يشاء إلى أقوم طريق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، آمين .
مقدمة المُعتني بالشرح 1
مقدمات علم النحو وبعض الفوائد للمؤلف وأحد تلاميذه 3
بداية الشرح 7
باب الإعراب 10
باب معرفة علامات الإعراب 12
باب الأفعال 19
باب مرفوعات الأسماء 25
باب الفاعل 25
باب المفعول الذي لم يسم فاعله 28
باب المبتدأ والخبر 30
باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر 34
باب النعت 37
باب العطف 39
باب التوكيد 40
باب البدل 41
باب منصوبات الأسماء 43
باب المفعول به 44
باب المصدر 46
باب ظرف الزمان والمكان 46
باب الحال 48
باب التمييز 49
باب الاستثناء 50
باب لا 52
باب المنادى 53
باب المفعول لأجله 54
باب المفعول معه 54
باب مخفوظات الأسماء 55